جاء في الاعلان
الرسمي عن الاقتحام المظفر لقوات سوات ومن معها من قوات متجحفلة لساحة اعتصام
"العدو" في بيجي انها لم "تقتل" الا البعثيين
والقاعدة في عملية جراحية دقيقة بعد ان استطاعت وفي حمأة الوغى ودخان
المعركة واختلاط الحابل بالنابل من فرز هؤلاء عن غيرهم باستخدام طرق متطورة
لا يمكن الافصاح عنها لانها سر من اسرار القائد العام الذي امر بالعملية.
لكن يمكننا
التكهن ان البعثيين والقاعديين كانوا يحملون على رؤوسهم اشارات ضوئية حمراء
لتهدي القتلة اليهم وكي لا يصاب الابرياء الاخرون من غيرهم بمكروه لا يحمد عليه
... لذلك استهدف رصاص البنادق والهمرات والدبابات هؤلاء وليس غيرهم وكل من يقول
بغير ذلك فهو بعثي وقاعدي كافر او عميل لدولة اجنبية، والدليل على ذلك انه بعد
انتهاء "موقعة العار" المظفرة تم تحليل عينات من دماء الضحايا فأكد
الطب الشرعي انها دماء قاعدية وبعثية. فتكون قوات الحكومة قد حققت نصرا
باهرا على الاعداء في موقعة سيخلدها التاريخ باسم موقعة ام "العار" .
ومن الان فصاعدا ستعمم تكنولوجيا الكشف السرية لتغطية فشل اجهزة كشف
المتفجرات الفاسدة، وخلاصة الطريقة: كل عراقي فقير او مسكين من ليس من
اتباع السلطة او الهاتفين والمتمسحين بأذيالها ومن غير المنتفعين بسرقاتها ومن
غير المستفيدين من فسادها ووقع عليه الضيم والظلم وخرج كما خرج ابو ذر الغفاري
متعجبا كيف لا يخرج جائع الى الناس شاهرا سيفه، حيث ستطبق عليه المادة الجديدة
الفورية: "انت بعثي اوقاعدة" فيحلل قتله حالا وعلى قارعة الطريق دون
الرجوع لأي مرجع.
ولنا في هذا
الصدد بضعة ملاحظات:
ملاحظة (1):- ان كان من بين المتظاهرين من هو بعثي سابق او متعاطف، فما
الغرابة في ذلك .. فهم اعتصموا بشخوصهم وليس بتنظيمهم، وهل ان البعثي مهما كان
اختلافنا الايديولوجي والسلوكي معه، انسان ليس عراقي ويجب ان يقتل في الساحات
وهو لم يقم بأـي نشاط خارج نطاق القانون باعتصامه مطالبا بمطالب ان كانت محقة او
لا فانها قابلة للنقاش والتفاوض كما يحدث في كل بلدان العالم، وهل صدر
تشريع لا نعرفه يجيز قتل البعثيين على الشبهة في الشارع؟ والمضحك ان من يخرج
متحدثا في التلفزيون لتبرير قتل هؤلاء كونهم بعثيين كان لأكثر من 30 سنة بعثيا
حتى العظم!
القانون يقول لا
يجب محاسبة انسان الا بجرم، وبدلا ان تسعى الى الانتقام هات الافضل لكي يصدقك
الناس ويسيروا وراءك.
ملاحظة (2) : - القسم الثاني من المستهدفين بالقتل، وحسب التصريح الرسمي هم من
القاعدة. وهذا الامر مثير للسخرية والاستغراب، فهذه أول مرة نسمع أن القاعدة
بدلت اساليبها المعتادة في الاغتيالات والتفجيرات الانتحارية والمفخخات، وجنحت
للسلم واصبحت تنظيما مسالما يشارك في اعتصامات سلمية. فإن كان هذا التحول صحيحا
والدولة تملك هذه المعلومة، ألم يكن من الافضل ان ترعى الدولة هذا التحول
لاستيعاب تنظيم القاعدة واشراكه بالعملية الامنية السياسية كما استوعبت الصحوات
(ملاحظة من الناشر: الأصح أن يقال: كما استوعبت عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله
وغيرهم من العصابات الطائفية) وبذلك نخلص العراق من 90% من مشاكل الارهاب. ان
المنطق يفترض ذلك بدلا من جندلتهم قتلى في الساحة.
ملاحظة (3 ) :- كعادة ازلام السلطة عند كل مطبة كبيرة تقع فيها الحكومة يسارعون،
ليس للاعتراف بالخطأ والدعوة الى اصلاح ماحدث لاحتواء التطورات قبل تفاقم
الامور، وانماة باجتراء الحقائق وفبركة والكذب (وهو مايجيدوه ولا يجيدوا امرا
سواه) تبرير الفعل الشنيع واللاانساني الذي لا يمكن الا ان تشم منه رائحة
الطائفية الفاضحة والنتنة والكيل بمكيالين عند تعامل الدولة واجهزتها الامنية مع
ابناء الشعب، والاصرار على أن الذنب يقع على عاتق المتظاهرين الذين تستروا على
قاتل وكأن كل المعتصمين متواطئين. وان وجود بعض الاسلحة الخفيفة لدى البعض منهم امر
طبيعي في عراق الفوضى فلماذا لم تتعامل الدولة مع استعراضات عسكرية مسلحة جرت في
وسط بغداد من قبل ميليشيات واحزاب وبرعاية مسؤولين ... هل لأنهم من جنس السلطة؟
وما هي الدولة التي يضيق صدرها بعدة الاف من المحتجين حتى لو كانت بعض مطالبهم
غير محقة في نظرها الى حد ارتكاب جرائم. وان كانت تهمة تسييس المظاهرات واندساس
عناصر معادية فيها فأين المستغرب في هذا في بلد اصبح كل شيء فيه قابل للتسييس
والبيع والشراء تحت شتى العناوين. ثم ألم تسمح الدولة بنشوء هكذا وضع من خلال
مماطلتها الطويلة طوال عدة اشهر بحيث تضخمت ظاهرة الاحتجاجات وانظمت قوى غريبة
اليها؟ اما كان بالامكان احتواؤها منذ البداية بدلا من العناد الذي لا يمكن
تبريره الا بالنظرة الفئوية الضيقة التي تتحكم بقرار الحاكم والحاشية التي تزيّن
له القرار.
ملاحظة (4 ):- ان القوات الامنية الحالية غير مؤهلة لتكون قوة لحماية الشعب
لانها للاسف غير مبنية على اسس مهنية او وطنية، بل على ثقافة طائفية وحزبية
وتقودها قيادات فاسدة ووصولية ومرتشية تضع مصلحتها الشخصية فوق اي اعتبار وهو
امر معروف للقاصي والداني. وهي غير قادرة على مواجهة اي عدو داخلي او خارجي منظم
(وكنا قد مسكنا قلوبنا وجلا اثناء اشتداد الازمة بين الحكومة المركزية
وحكومة كردستان خوفا من وقوع مواجهة عسكرية بين الطرفين تفضح حقيقة الضعف والوهن
واللاقدرة القتالية لهذه القوات)، لذا فهذه القوات تسترجل فقط على معتصمين عزَّل
تعرف ان لا قِبَلَ لهم بمواجهتها حتى وان كانت بحوزتهم بعض الاسلحة الخفيفة .
ان الحكومة
بوضعها الجيش امام الشعب انما تحفر بيدها خطوط التقسيم التي تقول انها انقذت
العراق منها.... فمن يصدق بعد ادعاءات الحكومة؟
ملاحظة (5) :- أن آلام العراقيين تملأ الارض والسماء، فهل قتل الناس ومنعهم
حتى من الاحتجاج السلمي، حتى وان دخل الشيطان بينهم سيبدد تلك الالام؟ هذا
سؤال برسم الجواب.
ان العلة تكمن في
صلب النظام الذي بناه الاحتلال. فالجالس في الكرسي يظن انه مادام قد انتخب
(انتخابا مشكوكاً فيه) فإن يده مطلقة لفعل مايشاء حتى وان كان لا يستح.
ان تطبيق
الديمقراطية الغربية التي تستند الى صناديق الغالبية لا يمكن أن يطبق جزافا في
بلد مثل العراق لم يتوصل فعليا الى فصل الدين عن الدولة... فتأتي للسلطة ليس
اغلبية سياسية ذات برنامج محدد، وانما اغلبية طائقية تسعى الى فرض نظام حكم
ثيوقراطي- اوتوقراطي تحرم فيه مكونات عدة من حقوقها المدنية، لا بل ويجري تطييف
ومذهبة كيان الدولة كله على لون الحاكم وطائفته وحتى على الجزئيات الفقهية
داخل الطائفة مما يؤسس الى نظام غير متصالح مع الواقع وتعصف فيه الازمات.. نظام
غير صالح للحياة... ويظهر اننا دخلنا في نفق طويل سنكتشف بعد لأيٍ أن صلاحيتنا
للحياة قد انتهت، لاننا وكما يقول فيلسوفنا العظيم ابن سينا: بلينا بقوم يظنون
أن الله لم يهد سواهم...
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق