27‏/4‏/2013

مجزرة الحويجة ...مجزرة العراق


ايمان احمد خمّاس
المتتبع لسيناريو مجزرة الحويجة التي راح ضحيتها حسب مدير صحة محافظة كركوك التابعة لها 50 شهيدا و110 جرحى ، وتمت في الذكرى العاشرة للاحتلال، يلاحظ ان تصاعد الموقف خطوة بخطوة هو تكرار مصغّر لسيناريو غزو العراق واحتلاله ، الفارق الوحيد ان في الحويجة تمت المجزرة بقوات تضع الزي العسكري العراقي لما بعد الاحتلال، حيث كان الزي امريكيا والعلم الرئيسي امريكيا.


كما يعلم الجميع ، قبل الاحتلال اتهم العراق بأنه يمتلك اسلحة دمار شامل، واتهم بدعم الارهاب، وبانتهاكات حقوق الانسان، تبيّن بعدها، وكان معروفا قبلها من قبل الحكومة الامريكية ، انها افتراءات واكاذيب وأن المسؤولين الامريكيين كانوا يتندرون بها في مجالسهم الخاصة حسب شهاداتهم انفسهم لاحقا، وان الهدف كان رأس العراق. وكلما كان العراق يقدم الدليل بعد الاخر على عدم صحة تلك الافتراءات، كانوا يرفعون سقف المطالب التعجيزية باثبات المنفي وبمطالبة المدعى عليه اثبات الادعاء في مسرحية اجرامية تم بعدها اغتيال دولة باكملها: حكومة ومؤسسات واقتصادا ومستقبلا وكيانا.
لاحظوا ما تم في الحويجة حسب شهادة وزير التربية المستقيل احتجاجا على المجزرة وكان يقوم بدور الوسيط بين المعتصمين السلميين والجيش المحاصر لساحة الاعتصام ليلة 22-23 نيسان 2013 وحتى الفجر حين تمت المجزرة.
اولا تمت محاصرة المعتصمين السلميين اربعة ايام ومنع عنهم الطعام والماء والدواء (كما حوصر العراق قبل الاحتلال)، وكان السبب المعلن وجود ارهابيين بين المعتصمين الذين نفوا ذلك وفتحوا الساحة امام القوات للتفتيش دون قيد او شرط (كما فعلت الحكومة العراقية قبل الاحتلال، بل ثبت في ما بعد ان العراق تطوع بالمساعدة في مكافحة الارهاب الدولي). رفضت القوات الحكومية ذلك وقالت ان بين المعتصمين من يحملون السلاح. مرة اخرى نفى المعتصمون ذلك وقالوا فلتأت القوات وتفتش واذا وجدوا موس حلاقة او حتى سكين مطبخ ، فان لهم الحق أن يفعلوا ما يشاءون (وكان المعتصمون قد نصبوا خيمة المطبخ على مسافة تزيد على 150 مترا من الساحة تلافيا لمثل هذا الموقف).
وعندما اسقط في يد القوات القادمة اصلا لاشعال الحرب ضد المعتصمين، رفعوا سقف المطالب الى انهاء الاعتصام وازالة الخيام فورا (كما حدث قبل الاحتلال عندما طالبت الحكومة الامريكية بتنحي الرئيس العراقي عن السلطة وتقويض الحكومة). وبالطبع رفض المعتصمون في البداية انهاء الاحتجاج لانهم يطالبون بحقوق مهضومة لدى الحكومة ولم يتم تلبية شيء منها. عندها هدّد الجيش باقتحام الساحة.
وبالطبع أدرك المعتصمون ان هذا الاجراء سوف يشعل فتيل حرب لا تبقي ولا تذر ولذلك تمسكوا بالسلم والحكمة ووافقوا ولكنهم قالوا للجيش فقط امهلونا سويعات لكي نطلع ساحات الاعتصام الاخرى على الموقف لان لدينا عهدا معهم ان لانغادر الساحة حتى يتم تنفيذ المطالب، ولا نريد ان يفهموا اننا خذلناهم بل أننا نريد فقط حقن الدماء. وكانت هذه هي فرصة الجيش الذهبية في الانقضاض فورا على المعتصمين وحدثت المذبحة.
التفاصيل التي جاءتنا مصوّرة من الساحة ومن خلال شهود العيان تفيد بأن قوات الجيش وقوات سوات قامت بفتح النار الحي على المدنيين ومن خلال صور الشهداء تظهر الاطلاقات على الرأس والصدر مباشرة (كما دأبت قوات الاحتلال على فعله)، وانها كانت تدهس الموجودين العزّل احياء بالعجلات وانها كانت تجهز على الجرحى باعدامهم في الساحة فورا، وان طفلا معاقا ذا عشر سنوات كان بين المنتفضين مع ابيه المسنّ ، اجهز عليه جندي بقلب كرسيه ذي العجلات وضربه به. وان القوات كانت تستخدم بعض المندسّين عيونا على المعتصمين وأن هؤلاء هم من خدع المعتصمين بان القوات كانت قابلة للتفاهم واوهموهم انها لم تكن تبيّت لمجزرة. واخطر من هذا وذاك ان قوات الجيش كانت تدفن الشهداء فورا لكي يضيع عدد الضحايا، ولذلك فأن عددهم الحقيقي اكثر من ما اعلنته مديرية صحة المحافظة (أ لا يذكّركم كل هذا بشيء !!). كان صراخ الشاهد وهو يتوسل على الهاتف ان تنقل الصورة الى الاعلام تدمي القلب: نرجوكم نرجوكم ابلغوا العالم "اننا نُذبح".
لقد رأينا افراد القوات المطوقة للساحة وهم يتمشون ويدخنون ويتضاحكون باسترخاء امام المعتصمين، فلو كانوا يعتقدون ان هناك سلاحا في الساحة كيف تسنى لهم كل هذا الترف؟ ونسأل مع المعتصم الشاهد كيف تسنى لاميركا ان تغزو العراق لو كانت تعلم انه يمتلك اسلحة دمار شامل؟
التفاصيل كثيرة، وقد تضيع الحقيقة فيها، ولكن المالكي خرج الآن يطالب بحقن الدماء وتلافي الفتنة. ألم تقل ان الاعتصام سوف ينهى بالقوة امام شاشات التلفزيون؟ الم تنفّذ تهديدك؟ كيف تطالب الآن بحقن الدماء وانت من اعلن سفكها ونفّذه؟ واية وحدة وطنية هذه التي تتحدث عنها؟ ولماذا لم يوجعك ضميرك عندما كان الجعفري وصولاغ يكسّرون عظام المعتقلين ويثقبون اجسادهم بالمثاقب الكهربائية وينتهكون اعراضهم ويرمون اجسادهم في المزابل ؟ ام انك نسيت الطابق السابع في وزارة الداخلية؟ وسجن التاجي وابو غريب والناصرية والسجون "السرية" في المنطقة الخضراء والتسفيرات وغيرها؟
اذا كنت تريد ان تحقن الدماء حقا ، استحِ على نفسك وارحل وخذ معك ملياراتك واترك ماتبقى من العراق لأهله، لكي يعيدوا بناءه، ويتجاوزوا الفتنة، لانك انت ومن معك رأسها.
ويا ابناء القوات المسلحة العراقية الشرفاء منكم، انتم أبناء جيش سطر ملاحم تاريخية وكانوا حقا سورا للوطن، فلا تسمحوا لمن تدرب على ايدي الصهاينة في معسكرات الاحتلال بأن يلوّث سمعته ويجرّكم الى تلطيخ ايديكم بدم العراق، وبجعل منكم عصابات اجرامية. لا توجهوا سلاحكم الى المقاومين بل ضمّوها اليهم ، وان لم تستطيعوا فارموها ويكفيكم شرفا انكم لن تقتلوا اخوانكم في الارض والدين والانسانية. ولقد بادر الكثير منكم بذلك ، حيّاهم الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق