من افعى سيد دخيل الى تماسيح الفرات نحو ضباع الرميثة

ا.د. عبد الكاظم العبودي

عندما يتطلع  شعبنا الصابر والعالم الحر المتضامن معه الى توسع دائرة الانتفاضة الوطنية الى بقية المحافظات جنوب الوطن والتحاقها بانتفاضة شعبنا الوطنية في بقية المحافظات تعود سلطة المالكي مرة أخرى إلى الأساليب القذرة في الترهيب والتهجير القسري والمساومات، ولكن بوسائل أخرى أكثر خساسة تعلمتها وورثتها من إدارة الاحتلال الأمريكية وخبرتها خلال السنوات السابقة.

 وعلى الرغم من التهليل الإعلامي والشحن الطائفي في جنوب الوطن ضد انتفاضة شعبنا  في الوسط والشمال والغرب، وهي تمتد نحو اغلب محافظات الوطن الأخرى، إلا أن الأحداث الأخيرة في الاسبوعين الأخيرين في جنوب العراق تبشر بالخير، وخاصة في حوض الفرات الأوسط والجنوب، تتمثل في ما تم رصده في ازدياد التململ الاجتماعي وارتفاع الوعي الوطني للالتحاق بالهبة والثورة الوطنية العراقية التي تكسب إلى جانبها يوميا فئات اجتماعية واسعة، خاصة بعد فشل حكومة المالكي في تلبية المطالب الاجتماعية في جميع مناحي الحياة، بدءا من الحصول على ماء الشرب الى الكهرباء ومكافحة البطالة وفي مواجهة التدهور الصحي والبيئي والاجتماعي والاقتصادي مصحوبا بتصاعد وتائر القمع والإرهاب ضد المعارضين لسياسة المحاصصة الطائفية وحزبها الحاكم.

 وعلى الرغم من محاولة حكومة المالكي تحييد شيوخ وعشائر جنوب العراق، إلا أن بشائر انتفاضة عمال نفط الجنوب وإضرابهم الأخير والمفتوح من اجل تحقيق مطالبهم النقابية يشكل علامة مميزة لتنامي الحركة النقابية العراقية وتنظيماتها الوطنية ورفضها الانجرار إلى ألألاعيب الجهوية والطائفية والتحزب للسلطة وحزبها،  والحركة النقابية العراقية رفضت الانتظار بعيدا عن حراك الساحة الوطنية وهمومها المعبر عنها في مطالب الانتفاضة الوطنية القائمة في ساحات العز والكرامة.يسجل للحركة العمالية وخاصة عمال النفط ريادتها ببدء الاضرابات والمظاهرات والاعتصامات في ساحة التحرير وساحات العمل وفي حقول الانتاج والموانئ في البصرة  وميسان وغيرها.

 وكما شهد الجنوب أيضا محاولات السلطة القائمة نقل السجناء والمعتقلين بسرعة الى سجون الجنوب ومعتقلاته، ومنها الى سجن الناصرية والعمارة والكوت ظنا منها أنها ستستخدمهم كرهائن وورقة مساومة على حياتهم في حالة تطور الأحداث الى ما لا يحمد عقباه لها.

 وعندما فشلت مناورة عدنان الأسدي المسمى بالوكيل الأقدم لوزارة داخلية المالكي وهو الذراع القذرة في تنفيذ المخططات التي تريدها سلطة حزب الدعوة والمالكي، وخاصة نشاطه الفاشل تنظيم مسرحيات الوساطة لبعض شيوخ العشائر من المحسوبين في ولاءاتهم على سلطة المالكي والاشراف على مؤتمراتهم في النجف وبغداد والجنوب ودفعهم للاستقطاب الطائفي أو الاحتواء، وآخرها محاولات توظيفهم بمساعي الوساطة مع عشائر الساحات المنتفضة، وما تجسد أخيرا في محاولة إعلام حكومة المالكي تدبيجه في قضية ما سمي بالاعتداء على أؤلئك الشيوخ من جهة، ومحاولة أزلام الاسدي منع شيوخ الأنبار الذين توجهوا الى النجف للتحدث بحرية وصراحة الى بقية الشيوخ في مؤتمر النجف ولشرح الحالة والمطالب الوطنية للانتفاضة ودعوة زملائهم الى الانضمام الى الجهد الوطني والحضور والتفاعل مع مطالب الساحات الملتهبة ولسماع مطالب الانتفاضة الوطنية.

 وعندما ذهب وفد الشيوخ من الجنوب وهم مُرحب بهم في الانبار وغيرها حاول بعض أزلام المالكي الإشادة بحكومة المالكي، وبذلك استفز مشاعر الجماهير الغاضبة مما استدعى "عدم احترام بعض شيوخ القبائل المحسوبين على الجنوب ورميهم بقناني الماء الفارغة.... الخ" .وحاول ازلام المالكي وجوقته توظيف تلك الحادثة على الرغم من أن شيوخ الانبار استنكروها.

 هذا كله وبالتوازي معه عملت عصابات السلطة ومليشياتها ووحداتها الخاصة على تسعير حدة الاغتيالات في كثير من المناطق العراقية شمالاً ووسطاً وجنوباً بقصد خلق حالة قلق وفرز واستقطاب؛ تهيئة لإشعال فتيل الفتنة الطائفية ووضع الجميع في أُتون الجحيم الطائفي الذي تريده وتسعى اليه حكومة المالكي وهي تستشعر حالة سقوطها النهائي.

إن طوق النجاة في المشروع الانفصالي والتقسيم الطائفي ولانقاذ حكومة المالكي من السقوط هو تلويح بعضهم بتحالف كانتونات وكيانات المالكي بتقسيم العراق، وبطرحهم من جديد فكرة التقسيم كخيار أخير لمواجهة الانتفاضة الوطنية. من هنا، وحسب مخططاتهم، لا بد من ترتيب أوضاع الجنوب في العراق وإعداد مستلزمات الحالة الانقسامية في الشارع العراقي، كما يريدها المتنفذون والساعون للسيطرة التامة على بعض مناطق الجنوب والاستحواذ على اراضيه وثرواته والحاقها بامتيازاتهم وأملاكهم ومزارعهم وإقطاعياتهم الجديدة، ومنها التخطيط لإجبار السكان على الهجرة إلى مناطق أخرى وسط تهويل اعلامي وتخويف من نوع جديد.

ان الإعلام يركز هذه الايام على ظهور فصيلة غريبة من الضباع المفترسة والسامة والقاتلة تجتاح وتهاجم قرى الرميثة ومحيطها. وتسجل السلطات حالات من الموت والتسمم الغريبين لعديد من الافراد والعائلات المنكوبة هناك، في الوقت نفسه ومن اجل تنظيم القوى المتنفذة والمسلحة واستقوائها تظهر مجموعات من حاملي السلاح والبنادق بدوريات الليل والنهار بحجة ملاحقة تلك الضباع المفترسة واصطيادها وسط تأجيج واشاعة مشاعر الخوف وعدم الاطمئنان أمام المجهول والهاء الناس في مناطق الفرات الأوسط من متابعة تصاعد الانتفاضة الوطنية التي بدأت تطرق أبواب المحافظات العراقية الجنوبية.

سبق لنا ان تابعنا في مقالات عدة مثل تلك الألاعيب السلطوية والتي يمكن ان تجدوا روابطها هنا، وفضحنا دواعي مثل تلك الممارسات التي سبق لحكومة المالكي أن مارستها ووظفت لها الإعلام والاشاعات وتسريب تصريحات من سموا أنفسهم "الخبراء" ومسؤولي دوائر البيئة وغيرها، كما جرى اعداد وتسهيل الحضور المكثف والمسلح للسلطة ومليشياتها ونشطاء حزبها المتسلط، كلما اقترب موعد الانتخابات أو حدوث الانشغال الوطني العام بقضايا مصيرية، كحالة الانسحاب الأمريكي من العراق، وتمرير توقيع الاتفاقيات الامنية والصفقات مع بريطانيا والولايات المتحدة وإيران.

ولكي نستذكر ولو بعجالة حوادث غريبة سابقة لم يعرفها ولم يشهدها العراق، ولا عهد له بها سابقا،  نشير الى قضايا ظهور التماسيح في  جنوب الفرات والأهوار وفي عديد مدن العراق الجنوبية وكذلك الى قضية ما سمي بأفعى سيد دخيل وانتشار بعض الامراض وغيرها من الحالات التي سبق لنا الكتابة عنها منذ سنوات.

http://www.albasrah.net/ar_articles_2011/0911/3abdkadem_260911.htm

 .

  تلك الحوادث وغيرها تبدو لبعض المواطنين البسطاء عادية لكنهم سرعان ما اكتشفوا انها منظمة ومرتبة وموقوتة، وكما اشرنا اليها في مقالاتنا كانت تخفي أغراضا عدة منها إشغال الناس في التهويل والتخويف والترهيب باكتساح الكائنات الغريبة والترويع بالطفرات الجديدة منها في العراق، والحديث عن فقدان التنوع الحيوي في الأهوار، خاصة مع تزامن وصول كميات جيدة من المياه بفضل الفيضان الأخير.

 والسلطة من خلال نشاطها المشبوه هذا تستنجد بوضع خيارات "الموت الديمقراطي" في العراق بوسائل أخرى، بالإضافة الى الرصاص، والجديد هنا هو فرض خيار الاستكانة واللوذ بحماية السلطة وأزلامها أو مواجهة تماسيح لم يسمع بها العراقيون من قبل في مياه العمارة والديوانية أو أفعى  ناحية سيد دخيل وظهور كائنات غريبة، ظن العراقيون انها من تراث حكايات الماضي وأساطيره المحكية، مثل ظهور القرطة وفصائل كلبية شرسة، وأخيرها  الحديث عن مهاجمة الضباع الشرسة لمنطقة الرميثة ومحيطها الزراعي.

وسط تلك الحوادث وغيرها يجري تصعيد القتل والإرهاب وتوزيع التفجيرات واسعة النطاق وشن الاعتقالات التي تجتاح العراق من أقصاه إلى أقصاه، يتساءل العراقيون بسخرية عن جدوى البقاء تحت رحمة خيارات "الموت الديمقراطي" وفيما إذا كان عليهم الاستسلام لأقدارهم السود المتعاقبة، أم عليهم خيار الالتحاق بالانتفاضة الوطنية المشتدة للتخلص والى الأبد من تلك العذابات والمآسي.

أكدت السنوات العشر من الاحتلال وحكم المحاصصة الطائفية ان الانتظار بتحقيق الوعود التي تطلقها حكومات الاحتلال المتعاقبة، وخاصة حكومة المالكي،  تعني طريقة الانتحار البطئ لتعساء وادي الرافدين بعد وهم "تحرير العراق" أمريكيا وأكذوبته، وتمكين الولايات المتحدة لعملائها من حكم العراق وفرض تسلط الجهلة والأميين والمتحاصصين على مضاعفة أرقام القتل الجماعي والإبادة المنظمة على شعب بات أسير الخراب الامريكي والطائفي الشامل. وما بين خيارات الموت بعضّات الأفاعي القاتلة وخيار القبول بالفناء المرسوم بين فكي تمساح أمريكي زائر والرعب في العيش في البيوت والطرق العامة والذعر من هجوم الضباع المفترسة  تعترض مسار الحياة اليومية للعراقيين صورا عدة تتجسد يوميا في رؤيتهم مشاهد نقل صناديق جثامين الضحايا الى المقابر الجماعية الجديدة المسكوت عنها إعلاميا وحكوميا.

من جانب آخر سبق لنا ان فتحنا الباب في عديد مقالاتنا  للتعريف وتسليط الضوء علميا على جوانب خفية مما جرى ويجري في مناطق الأهوار في الجنوب: راجعوا مقالتنا العديدة ومنها: [ظهور الاهوار انتحار الحضارة...السقوط والعودة الى المستنقع:

 http://articles.abolkhaseb.net/ar_articles_2007/0507/kadem_260507.htm

]   والتي جاء فيها: تنقل تقارير وكالات الأنباء هذه الأيام أخبارا مقلقة لاستكمال حلقات تدمير العراق، مفادها ان قادة عصابات الطوائف والمليشيات وفرق الموت تستثمر أموالا طائلة في تدمير أبناء العراق من خلال نشر زراعة المخدرات والأفيون في الجنوب العراقي خاصة.

هذا الاستثمار يتم على تلك الأراضي نفسها من مناطق جنوب العراق التي تم استصلاحها من قبل وزارة الري في عهد الدولة الوطنية خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي وخلال فترة الحصار التي عكست الإرادة الوطنية العراقية من خلالها قدراتها العلمية والتكنولوجية فاسترجعت عشرات الآلاف من الهكتارات من أخصب الأراضي الزراعية بعد انتزاعها من سطوة المياه والفيضانات وتجفيفها واسترجاعها لأجل الزراعة بعد أن كانت تحت وحول المستنقع الآسنة.

 إن تلك الأراضي وغيرها أصبحت موضع مساومات جديدة أيضا مع سماسرة شركات النفط والغاز الطامعة بنهبها ومع سماسرة ووكلاء الحكم وسلطاته وبالتقاسم بين اطراف العملية السياسية، فكان لا بد من التخطيط لتشريد أهلها أو مساومتهم بأراض أُخرى، ومن يرفض سيكون عرضة للابتزاز أو القتل أو التخويف؛ إن لم يسارع الى الهجرة او يدفع بأبنائه في صفوف جيش المالكي وشرطته ومخابراته  والانخراط بمليشياته، المعلنة منها والسرية.

ان عصابات الخراب المتحكمة اليوم في فوضى العراق تقدم على جرائم أبشع من الذبح بتشريد السكان بقوة السلاح لتحول مساحات واسعة من تلك الأراضي بعد الاستيلاء عليها وطرد فلاحيها وإجلائهم وتحويل اراضيهم إلى حقول لزرع الخشخاش والحشيش والمخدرات والأفيون بكل أنواعه أو فرض تسليمها لشركات النفط الأجنبية المستثمرة في العراق مقابل وعود بالعمل في تلك الشركات كأجراء.

 لقد فعلوا كل شئ، وهم كانوا ولا زالوا يجلبون الخبرات المطلوبة من شركات أمريكية متخصصة ومن المزارعين الإيرانيين والأفغان من ذوي الخبرة في زراعة المخدرات والأفيون. وإنهم يتناقلون أيضا ومن دون خجل المعلومات والخبرات ويتبادلون الصفقات التي تفصح عن اختيارهم لأخصب الأراضي العراقية تلك وتحويلها الى محميات تنتج السموم والدمار الشامل، وهم أنفسهم من استنكر بالأمس تجفيف تلك الأراضي بعد ان كانت حتى سنوات الثمانينيات جنات مغمورة تحت وحل وفوضى مياه المستنقعات من دون استغلال ناجع لها لقرون طويلة.

وكما تباكوا على عمليات تجفيف الأهوار والمستنقعات وأدانوها وطالبوا بوضعها محميات تحت السيطرة الامريكية، هاهم اليوم منزعجين من وصول مياه الفيضان التي وصلت لتروي بعض الأراضي العطشى، وتملأ بعض الأحواض المائية في محيط بعض الأهوار المتبقية.

والمفارقة العجيبة ان المستثمرين الجدد في زراعة المخدرات هم أنفسهم من استنكر على الدولة الوطنية التي أسقطها المحتل، وهم من خربوها بالتعاون معه. إنها تلك الأراضي التي كونها طمي دجلة والفرات عبر مئات الألوف من السنين ولكن الإهمال والخراب أغرقها تحت فوضى المياه والفيضانات.

نعم استولت عصابات الجريمة المنظمة على تلك الأراضي اليوم بعد أن تم منع فلاحيها من زراعة الرز والخضروات والعودة إلى أراضيهم ودفع أبنائهم تحت ضغط الحاجة الى العمل للانخراط في صفوف الجيش والشرطة والامن وليكونوا وقودا للحرب الطائفية المرسومة، ولتكريس بقاء الاحتلال بصور أخرى، كي تتحول تلك السواعد الى عسس وحراس وحمايات لأباطرة المخدرات والسياسيين الجدد في العراق الذين يمارسون اليوم شتى أنواع الابتزاز بالسلاح والسمسرة وشراء الذمم لتحويل تلك الأراضي إلى محميات ومستعمرات مغلقة ممتلكة لنفوذ أطراف معينة من السلطة وأنصارها والتعاون مع الغزاة الجدد القادمين عبر البوابة الشرقية للعراق  فتصبح أراضي جنوب العراق إلى محميات لآل كابون جدد خاضعة للمليشيات والحراسات الخاصة لتزرع بالمخدرت من كل الانواع.

 http://articles.abolkhaseb.net/ar_articles_2007/0507/kadem_260507.htm

    يعيش ابن الجنوب منذ قرون وما زال من دون ارض واستقرار وحياة كريمة، ظل مريضا جاهلا ومتخلفا ومعزولا عن العالم، بيته كوخ من القصب والبردي بدون ماء او كهرباء. وعندما جاءت لعبة العملية السياسية وتشكيل الحكومات المحلية أصبح صوته عرضة للمتاجرة باسم المذهب والطائفية أو باسم المظلومية.

      ورغم مرور عشرة سنوات على الاحتلال فان جنوب العراق يُعد في أسوأ الأحوال في جميع المناحي البيئية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يختلف عن بقية المحافظات الاخرى، وليس أمامه اليوم سوى طريق الانتفاضة والالتحاق بالجهد الوطني المشترك لإسقاط تلك العملية السياسية وحكومتها ودستورها الذي لم يجن منه أحد من العراقيين أية فائدة أو كرامة إنسانية.

يعيش الناس هناك في جنوبنا في أسوء الأوضاع، وقد أدرك أهلنا أن اللعبة انتهت ولا يمكن تكرارها بعد اليوم بفضل الوعي بمخاطرها وافتضاح أصحابها ودعاواهم. ولم يعد ابن الجنوب يعرف أو يسمع بعد اليوم كل تلك الرطانات السياسية التي كذب بها دعاة العولمة الأمريكية ومبرراتهم في ما كذبوا به من تسميتهم غزو "تحرير العراق". ولم يعد أبناء الجنوب يصدقون مقولات وزارة السوداني والحديث عن حقوق الانسان في جنوب العراق، الموصوف بـ "الشيعي" المضطهد، ولم تعد تمرر دعايات حزب الدعوة وبقية الكانتونات والكيانات السياسية التي تسعى الى الانفصال والفدرلة وتكريس عزلة جنوب العراق طائفيا وجغرافيا وسط أوحال الأهوار والجنوب البائس الطافي فوق آبار البترول وحقول الطاقة.

       اخيرا نعيد التساؤل الذي طرحناه منذ سنوات نفسه على ضباع المنطقة الخضراء وتماسيحها وأفاعيها، وهم يتساومون ويتناطحون امام شاشات التلفزة والفضائيات على امتيازاتهم الخاصة بمناقشات ما يسمى "قانون الميزانية الفيدرالية ومحافظاتها المنكوبة" وهم يعيدون ادوارهم البائسة كل سنة يتحدثون ولا يفقهون ما هي نسب التوزيع الحقيقية للثروات التي تستحقها محافظات العراق؟.

  أتحداهم ان قالوا لنا كم هم سكان كردستان؟ ونسبتهم؟  وكم الأعداد الساكنة في الاهوار بالضبط؟. ما دور كل محافظة عراقية في الجانب الاقتصادي؟ وما دورها في حراك المجتمع العراقي وتطوره وتنميته؟ الم يترك أكثر من 95% من سكان الأهوار والجنوب مناطقهم في اكبر هجرة بشرية في تاريخ العراق، بدأت منذ الخمسينيات ولا زالت مستمرة جيلا بعد جيل؟؟ ولماذا زحف الفقراء إلى بغداد والبصرة ليسكنوا بيوتا من الطين والصفيح والصرائف الرثة وهم يتوزعون في أحياء الفقر المنتشرة في أحزمة مدن بغداد والبصرة حتى وصل تعدادهم إلى الملايين وصار أولادهم وقودا للحروب والبطالة والتخلف والهجرة الى الخارج.

  ها هم يتجمعون في محتشدات سميت من دون انسانية مدنا، نراهم بالملايين في مدن الثورة "شرق بغداد" و" الشعلة" شمال غرب بغداد، يعيشون في محتشدات بشرية لا تليق بحياة الإنسان في القرن الحادي والعشرين، يعبأون بكل أشكال الأحقاد الطائفية ضد بعضهم بعضاً من أبناء جلدتهم، وينسون الآفات الغازية القادمة بدبابات أمريكية، جاء معها تماسيح وغيلان وضباع وأفاعي بشرية تفتك بهم مع بقية نتائج المخبر البيولوجي الأمريكي في العراق.

    نسأل من تباكوا على تجفيف الأهوار، اين وزارتها الخاصة بالاهوار؟ واين ميزانياتها وأموالها المرصودة التي سيطرت عليها عصابات الساري وغيره، نطلب الإجابة منهم فيما لو أعادوا حساباتهم الاجتماعية والاقتصادية والحضارية وأنصفوا جنوب العراق وشماله وغربه حتى لا تضطر الجموع الغاضبة الى المبيت في برد الشتاء وتحت الأمطار وتواجه الرصاص طلبا للعزة والكرامة التي تليق بالعراقيين.   اين جنوب العراق وشط العرب وقد قطعت ايران عنه المياه،  وعند الحاجة غمرت بعض الأراضي بنفايات المياه القذرة والمالحة والمحملة بالنفايات الصناعية التي ظلت تطلقها ايران على مدى السنوات السابقة تخلصا منها لنفاياتها، لماذا لم يسكتوا والى الأبد عن الحديث عن مظلومية أهلنا في الجنوب وهم يساومون عبر حسين الشهرستاني الشركات النفطية الناهبة لخيرات العراق والبيع المجاني لخيرة وأغنى الأراضي العراقية الجنوبية الزاخرة بالطاقة والزراعة والحياة.

       ليقولوا لنا ما الذي استفاده جنوب العراق منهم؟ وهم يدمرون أراضيه ويشردون سكانه ويزاودون بمتاجرة رخيصة بمظلومياته؟ كم ستطعم تلك الأراضي الجديدة والخصبة التي جففها المشروع الحضاري للدولة العراقية، التي دمرها الاحتلال وتعاقبت عليها الحكومات الخادمة له، لو تم الاستثمار الزراعي الأمثل فيها. وكم من الأفواه العراقية اليوم بحاجة إلى المزيد من القمح والرز والخضار وبساتين النخيل والفواكه الذي يمكن إنتاجها في تلك المناطق، بدلا من غمرها بالمياه الوسخة القادمة من الجارة الطامعة ايران. لماذا تركت اغلب اراضي العراق وجنوبه خاصة من دون دراسات واصلاح وبخراب متعمد، انه خراب الآلة الأمريكية النفطية المتوحشة والمطامع الإيرانية القادمة في أثرها.  

      إن التوزيع السكاني والديموغرافي الحالي في العراق يتطلب إصلاح الأرض والإنسان وحمايتهما من فوضى المياه في الأهوار وبقاء المستنقعات العراقية في أسوء أوضاعها، وهذا يتطلب إقامة نظام ديمقراطي حقيقي واصلاح وخطط مستعجلة وميزانيات ضخمة، والتخلص من كل وحوش العملية السياسية.

    هذا لن يتم الا بالالتحاق حالا بركب الانتفاضة الوطنية الجارفة في العراق. انها الفرصة التاريخية لتحرير الارض والانسان.

 وان غدا لناظره قريب.