21‏/2‏/2013

السلطة القذرة


أ.د. كاظم عبد الحسين عباس
  أكاديمي عراقي مقاوم
   بحثت خلال اليومين الماضيين عن عنوان آخر غير الذي استخدمته هنا فلم أجد أبلغ من هذا العنوان ولا أصدق، بل أن طول تفكيري بالعنوان جعلتني أتيقن أن هذا العنوان لا يعبر كما ينبغي عما يجيش به واقع العراق من مآس وجرائم وفساد تقترفها السلطة القائمة في المنطقة الخضراء تحت حماية أمريكا وبادعاء باطل ضلل العالم طويلاً هو أن هذه السلطة منتخبة، فدعونا نعالج الأمر بعلمية ومنطق وتجرد لنر إن كان الوصف يفي بالغرض أم علينا أن نضيف له جميع ما في قاموس السوء والدونية والدياثة من مفردات.



   تطورت أنظمة الحكم في العالم عبر مخاض إنساني عسير مؤلم حتى استقرت على معايير وثوابت من بين أهمها:
  النجاح في تقديم الخدمات للشعب
 تحقيق الأمن العام والحفاظ على سيادة الدولة
 تحقيق النمو المطلوب في الانتاج والاقتصاد
تحقيق نمو اقتصادي محسوب بدقة وعناية
  وعادة ما تلتزم الأحزاب والقوى السياسية التي تتصدى للعملية الانتخابية الديمقراطية في الدول المؤمنة بالإنسان كقيمة عليا وبأنه هدف مقدس في العمل السياسي وما يرتبط به بهذه الثوابت وتعبر عنها في برامجها الانتخابية، ومعروف أن البرلمان وضغط المعارضة المتواصل ووجود حكومة ظل جاهزة لتسلم السلطة في حال فشل الفائزين في الانتخابات عن البر بالتزاماتهم تلك تشكل كلها ضمانات عملية للعمل الجدي والنزيه لمن يتسلم الحكومة مثلما تشكل مفاتيح مركزية  لتحقيق النجاح ليس للدولة وسلطتها فقط، بل وحتى للأحزاب المتصدية لإدارة السلطة لأنها تضبط ايقاعات الإنجاز المطلوب وتمثل مرايا عاكسة ترى السلطة نفسها من خلالها.
   هذا معناه أن الانتخابات ليست صك غفران مارتن لوثر لتأمين الدخول إلى الجنة وإلى ضمان الخلود فيها. بل أن البقاء في السلطة مرهون بتنفيذ استحقاقات الدولة وشعبها، فالديمقراطية نظام شامل وأخلاقي ومنفتح النهايات غير منغلق على الاضافات والتبديل الإيجابي الذي تفرضه إرادة الوطن والشعب وضرورات نجاح السلطة في تنفيذ واجباتها.
  إذا توقفنا عند هذا الايجاز وحاكمنا انتخابات أمريكا وأدواتها السياسية التي اعتمدتها بعد غزو العراق واحتلاله وتفكيك مؤسسات الدولة الوطنية ونوع السلطة التي أنجبتها من رحمها المتسرطن فماذا سنحصل:
   الخدمات الاساس التي يفترض أن تؤمنها الدولة للشعب معدومة بالكامل أو شبه معدومة، ولو كانت أمريكا جادة بتأمين الاستقرار لمنتجها في العراق لما أحجمت عن اعادة هذه الخدمات للعراقيين على الرغم من مرور عشر سنوات على احتلال البلد وضياع مليارات لا عد ولا حصر لها من الدولارات تحت بند إعادة الاعمار.
 بهذا المعنى فان الحكومة (المنتخبة) في المنطقة السوداء فاقدة للشرعية وأمريكا الراعية للديمقراطية الإيرانية في العراق لم تعر أي اهتمام لملايين العراقيين الذين يتظاهرون احتجاجا على انعدام الخدمات مع علمها أن مثل هذه التظاهرات لو قدر لها أن تحصل في أمريكا لأدت إلى انتخابات مبكرة، وفي أوربا لأدت الى تسلم حكومات الظل السلطة فوراً، أي أن أمريكا، ومن نافلة القول ليست ديمقراطية ولا تعنيها حقوق الإنسان قط.
     الأمن مفقود في العراق تماما منذ بدء الغزو والاحتلال.. المليشيات التي أسسها الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر وهو موظف من الدرجة الثالثة أو الرابعة في دوائر متخصصة بالإرهاب في الخارجية الأمريكية والمليشيات التي سمح بدخولها متسترة بغبار دبابات الغزو وعجلاته مثل فيلق بدر الإيراني وفرق موت الجلبي وحزب الدعوة الإيرانية وحزب الله الإيراني ومنظمة العمل الإسلامي الإيرانية وغيرها هي من ينفذ التفجيرات الإجرامية وتقتل الناس في أحياء العراق وشوارعه وأسواقه ومؤسساته الرسمية لغرض إيصال العراقيين إلى مواضع اليأس فيكفرون بوحدتهم الوطنية وينزعون ويتجهون إلى تنفيذ مخطط أمريكا وأعوانها والسياسيين الذين اعتمدتهم ومكنتهم إلى التحمس لخطط تقسيم العراق، وبهذه الحال يكون الوصف البسيط والمتواضع للحكومة (المنتخبة) أنها سلطة وحكومة قذرة ومن يحميها من الأمريكان أقذر وأحط شانأ ومقاما منها.
      صحيح إن النشاط الاقتصادي الوحيد الذي تمارسه السلطة العميلة هو توزيع جزء يسير من واردات العراق النفطية على موظفي الدولة التي ارتفعت بما لا يقبل المقارنة عما كانت عليه قبل احتلال العراق الذي كان محاصراً بالخبز والدواء وفي مستلزمات الحياة وروافدها كلها، لكن الغالبية التي لا تقل عن 95 % من شعب العراق بمن فيهم جزء مهم من موظفي الدولة يعيشون تحت خط الفقر. متطلبات الحياة كلها ارتفعت أضعافاً مضاعفة والملايين من العراقيين لا يقوون على مواجهة الغلاء، بل أن هناك آلافاً منهم يعيشون على فضلات القمامة في مشهد يشبه حياة بعض الصوماليين المعدمين ابناء البلد الفقير المدمر، في حين أن العراقيين هم أبناء أغنى بلد في العالم.
حال مثل هذه تجعل وصف حكومة الاحتلال الإيرانية بالحكومة الساقطة أخلاقياً وصف يستحي منه حتى معنى السقوط الاخلاقي، ويجعل من أمريكا التي تحمي الحكومة الإيرانية في بغداد دولة راعية للفشل وانعدام الأخلاق واغتيال مع سبق الاصرار لأبسط قيم الديمقراطية ومفاهيمها.
     يكاد يكون تصدير النفط هو النشاط الاقتصادي الوحيد في عراق ما بعد الاحتلال، والنفط العراقي يصدر بأنابيب بلا عدادات ولا أحد على وجه الأرض يعلم كم بيع منه وكم هي المبالغ المترتبة على البيع ولا أحد يعرف على وجه التحديد ولا الدقة أين تذهب مليارات من الدولارات لا عد ولا حصر لها، وإذا كانت البديهة تقتضي أن نقول إن أمريكا مستفيدة من هذه الحال، بل هو أحد اسباب احتلالها للعراق فان التساؤل يبقى قائماً: لم تسمح أمريكا التي تفرض (عقوبات اقتصادية على إيران) بانتقال مليارات الدولارات من واردات نفط العراق ومن احتياطي الذهب العراقي الى إيران؟ ألا يعرف الأوربيون والآسيويون الذين ترغمهم الولايات المتحدة الأمريكية على إلحاق اضرار فادحة باقتصاد بلدانهم عبر قطع بعض صلاتهم الاقتصادية مع إيران أن أمريكا تضرهم وهي تستفيد وتغذي إيران في الوقت نفسه على حسابهم؟
     آن الأوان للعالم الحر.. للشعوب المؤمنة بالديمقراطية الحقيقية وبالحرية وحقوق الإنسان أن تقف إلى جانب الشعب العراقي وتباشر من فورها برفع الحيف والظلم والإرهاب والبؤس الذي جلبته أمريكا وعملاؤها.. آن الأوان أن يطالب العالم أمريكا بالكف عن لعبتها اللاأخلاقية في العراق من فورها وترفع حمايتها عن السلطة القذرة التي شكلتها من الأوغاد والموتورين والشوفينيين العرقيين  والطائفيين والشواذ المنحرفين في أكبر جريمة تقترف بحق دولة وشعب في العصر الحديث والمعاصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق