8‏/3‏/2013

بيان هيئة التنسيق المركزية بخصوص سلوك السلطة الحاكمة

منذ اندلاع التظاهرات الشعبية السلمية المباركة في 21 كانون الأول 2012، في محافظات الانبار والموصل وديالى وصلاح الدين وكركوك ومدن الفلوجة وسامراء وخروج مئات الآلاف من أبناء شعبنا في مختلف مناطق وسط البلاد وجنوبها تأييدا للمطالب المشروعة للمتظاهرين، أصيبت السلطة الطائفية الحاكمة بالهلع والخوف والارتباك وفقدان البوصلة،

 فنعتت المتظاهرين بأقذع الالفاظ، وهددتهم وتوعدتهم، وعندما شعرت هذه السلطة بجدية المتظاهرين وإصرارهم على مطاليبهم المشروعة وباسلوب حضاري سلمي اعترفت، وفي المقدمة منها رئيسها نوري المالكي بمشروعية تلك المطاليب مستخدمة أسلوب الكيل بمكيالين والتسويف من خلال تشكيل لجان سباعية وخماسية لتلبية جزء من تلك المطاليب التي بقيت حبراً على ورق، وبموازة ذلك  نفذت السلطة الحاكمة وعيدها في 25 كانون الثاني 2013 وسمحت للجيش باطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، مما اسفر عن استشهاد 11 مواطناً مدنياً وإصابة نحو 60 آخرين بجروح، ثم تطورت الأحداث بعد أن قرر المتظاهرون إقامة صلاة موحدة في مسجد الإمام الأعظم في الأعظمية ثم في مرقد الكاظمين عليهما السلام في الكاظمية يوم الجمعة 15 شباط 2013. وتعاملت السلطة المأزومة المرعوبة مع هذا القرار بردود فعل شديدة، مؤكدةً أنها ستتخذ الإجراءات الأمنية وستضرب "بيد من حديد" كل من يقدم على ذلك، ورافقت تهديدات الحكومة هذه، إجراءات مشددة فرضتها القوات الأمنية على مداخل بغداد منعت بموجبها جميع المواطنين من أهالي محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار وديالى وواسط ومحافظات الجنوب والوسط من العبور باتجاه العاصمة، كما فرضت إجراءات مشددة في محيط المنطقة الخضراء والأعظمية.
ولم تكتفِ السلطة الغاشمة الحاكمة في بغداد بإطلاق التصريحات والوعد والوعيد، بل أوعزت إلى بعض عتاة المجرمين بتشكيل ميليشيات مسلحة وأطلقت يد المجرم واثق البطاط ليتحدى المتظاهرين ويشكل ميليشيا طائفية مسلحة أطلق عليها اسم ( جيش المختار)، وأكد البطاط في تصريح له لجريدة الحياة في 25 شباط 2013 أن عديد جيشه تجاوز المليون عنصر وأنه يؤمن بولاية الفقيه وبالفقيه مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، مضيفاً أنهم يراقبون التظاهرات في المنطقة الغربية عن كثب وإذا تحولت إلى تظاهرات مسلحة فإن ردهم سيكون كارثياً لأنهم لن يكتفوا بمشروع ذبح القاعدة والبعثيين.
وبدلاً من أن تصغي السلطة إلى صوت شعب ينتفض مطالباً بحقه في الحياة الكريمة، بعد أن ذاق صنوف التهميش والإقصاء والاعتقال والاغتصاب والقتل غير المسوغ، وتتعجل بالتنفيس عن همومه وآلامه، فإنها واجهت تظاهراته الشرعية بالحديد والنار ونشر سرايا من الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية وأغلقت الطرق الداخلية والخارجية وقطع الجسور بسيطرات عسكرية ثابتة وأخرى متحركة وقصرت الدخول والخروج على سكنة الحي فقط من خلال تدقيق بطاقة الهوية الشخصية والبطاقة التموينية، وكذلك نفذت استنفاراً مليشياوياً وضربات استباقية بالكواتم تطلق من سيارات عسكرية تم إخفاء عائديتها كي لا يمكن التعرف على الجهة التابعة لها، كما شرعت بتفتيش الجوامع ودور العبادة ونفذت عتقالات للائمة والخطباء وحذرتهم من الحديث عن الثورة في خطبهم، وحصرت المصلين داخل باحات المساجد، وأعلن بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة أنهم سيضربون (بيد من حديد لوقف التمادي وزعزعة الأمن الاجتماعي وتعطيل المفاصل الحيوية للدولة). ولا ندري أي شرع أو قانون في العالم يعدّ التظاهر السلمي تمادياً والمطالبة بالحقوق ورفض الظلم زعزعة للأمن وتعطيلاً لمفاصل الدولة؟ فكل الذي أراد فعله المتظاهرون هو حمل لافتاتهم ورفع أصواتهم في صلاة موحدة في عاصمة الوطن، بعد أن حاول قادة البلد صم آذانهم والاختباء خلف وعود كاذبة ولجان لذر الرماد في العيون.
وبدلاً من أن يستجيب نوري الملكي إلى صوت العقل لتهدئة الوضع وضبط النفس والاستجابة للمطالب المشروعة للمتظاهرين والمعتصمين في ساحات العزة والكرامة، أطلق يد عناصره الأمنية الفاسدة لتنفيذ عمليات اغتيالات وتصفيات جسدية بكواتم الصوت في مناطق الدورة والسيدية وحي الجهاد والعامرية في بغداد ودهم الدور في تلك المناطق وإصدار أوامر اعتقالات بحق عدد من منسقي التظاهرات، ولم تكتفِ بذلك، بل أخذت تسهل عمليات تفجير عدد من السيارات المفخخة في بغداد وكركوك وكربلاء وديالى راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات من الجرحى، محملة مسؤولية ذلك أهالي المناطق التي تشهد الاعتصامات منذ ثلاثة أشهر، في مسعى لترويع المتظاهرين وتخويفهم لإنهاء إعتصاماتهم وإجهاض حراكهم السلمي.
وأكد رئيس السلطة الغاشمة نوري الملكي تهديداته وتأجيج الجذوة الطائفية عند لقائه عدداً من محافظي مدن الجنوب (جميعهم من حزب الدعوة) وشيوخ العشائر (شيوخ مجالس الإسناد) مستبعداً الأحزاب السياسية الأخرى كلها التي لها أرضية في تلك المدن، واستبعد معهم منظمات المجتمع المدني كلها وجميع المثقفين، وهاجم المالكي في خطابه المتظاهرين متهماً إياهم بتأجيج الطائفية، ومتوعداً إياهم بالاعتقال في حال الاستمرار بالتظاهر، واتهم سياسيين ضمن العملية السياسية التي تقودها حكومته الحالية، بالارتهان للأجنبي وتنفيذ مخططات لتفتيت العراق وزيادة حالة الانقسام الطائفي.
ونحن نسأل لماذا لم يلقِ الملكي خطابه أمام البرلمان؟ أو في اجتماع عام يضم جميع محافظي المحافظات العراقية؟ أليس اختياره الاجتماع بتلك الشريحة هو ترسيخ للطائفية التي يدعى أنه قضى عليها؟
ليس هناك من خطاب طائفي أكثر من خطاب رئيس حكومة لا يرى في متظاهرين يطالبون بالعدالة والإفراج عن المعتقلين الأبرياء، إلا ثلة من الطائفيين والتابعين للخارج، وليس هناك طائفية أكثر من خطاب لرئيس حكومة يصف فيه أكثر من خمسة ملايين من أبناء شعبه بأنهم يأتمرون بأمر الخارج ولا يكلف نفسه الاستماع لمطالبهم والعمل على تنفيذها.
إن المالكي بخطابه الاخير أثبت أنه يجر العراق إلى هاوية ودمار شامل كما أثبتت الأيام أنه شخص لا يمكن الوثوق به ولا يمكن الاطمئنان إلى نواياه. وحان الوقت لإسقاطه ومحاكمته على ما اقترف من جرائم بحق العراق والعراقيين.
إن إنتفاضة كانون الأول 2012 هي انتفاضة عراقية أصيلة انطلقت رداً على الظلم والتهميش والإقصاء والفساد ونهب خيرات البلاد وضد الهيمنة الفارسية على مقدرات البلاد والعباد، وأثبتت الأشهر الثلاثة التي مضت قوة المنتفضين وعزيمتهم وإصرارهم على الصمود والثبات على الموقف، وبالمقابل عكست ردة فعل عملاء إيران على هذه الانتفاضة المباركة رعبهم وإنهيارهم وفزعهم وهلعهم وتأزمهم، خصوصاً بعد أن شعروا أن شرارة الانتفاضة بدأت تمتد لتشمل العراق كله وبعد أن خاب ظنهم بأنها فقاعة لجأوا إلى التهييج الطائفي كملاذ أخير، وهو ما يعي شعبنا خطورته.
إن هذه التهديدات والوعد والوعيد الفارغة لن تنال من قوة المتظاهرين الابطال وعزيمتهم وصمودهم في ساحات العزة والكرامة، بقدر ما عكست الإفلاس السياسي والإنحطاط الأخلاقي لهؤلاء العملاء الفاسدين الجاهلين بطبيعة شعب العراق وتركيبته الكيميائية.
إن هيئة التنسيق المركزية لدعم الانتفاضة العراقية تستنكر وتدين بشدة سلوك السلطة الحاكمة في بغداد وتحملها المسؤولية كاملة عما يجرى، الآن، في العراق من فوضى عارمة وفساد مستشر وتأجيج طائفي، كما تحملها مسؤولية دماء الشهداء التي تسيل على مدار الساعة على أرض الرافدين الطاهرة، وتهيب، في الوقت نفسه، بالمشاركين في العملية السياسية العقيمة أن يعيدوا النظر في موافقفهم ويتذكروا أن لحظة الوقوف مع شعبهم دنت وأنها فرصتهم التاريخية لكي يتركوا ما هم فيه ويصطفوا مع شعبهم الثائر، فساعة الخلاص من هذه الطغمة الفاسدة والعميلة دقت وبعدها لن يفيد الندم، فالنصر قريب وآت إن شاء الله وما النصر إلا من عند الله.
هيئة التنسيق المركزية لدعم الانتفاضة العراقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق