28‏/3‏/2013

أمام مستنقع التعصّب الآسن.. يامثقفي العراق انتبهوا


إيمان أحمد خماس
سجّل التاريخ للعراقيين أنّهم بعد الاحتلال مباشرة خرجوا الى الشوارع يهتفون 'اخوان سنّة وشيعة / وهذا الوطن ما نبيعه' و'اخوان شيعة وسنّة / وكلنا العراق يضمنا' واسسوا مجلسا وطنيا من منظمات المجتمع المدني والاحزاب الرافضة للاحتلال بكل ايديولوجياتها والشخصيات من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وهذا يعني أنهم كانوا واعين منذ البداية للمخطط الاستعماري العالمي والاقليمي ومستعدين لمواجهته بوعيهم وارادتهم.

ولكن العقد الاول بعد الاحتلال شهد تراجعا تدريجيا لهذا الخطاب الوطني الحضاري المنفتح بسبب الطرق المستمر عليه حتى وصلنا الى النقطة التي يهدّد فيها الاطراف بعضهم بعضا بتقسيم الوطن. السؤال هو: اذا كان العراقيون واعين منذ البداية الى أن العدو المحتل امريكيا كان ام ايرانيا خطط لاستخدام تعصّب الدين والطائفة والعرق والمنطقة غطاء لمخططه الاستعماري، كيف دُفعوا الى مستنقعه الآسن اذا؟. 
الآن الجميع يقول انه ليس طائفيا ويرمي بدائه على الآخر، وهذا التنصّل بحد ذاته يدلّ على رفض التعصّب من جانب المواطن، وانكار الجرائم من جانب الاحزاب المتعصبّة والميليشيات والحكومة. واذا كان الامر يقتصر على نزاعات الاحزاب لما قلقنا لأنها هياكل فوقية، ولكن الشكوك والمخاوف كاد يصل ولو بشكل ما زال محدودا الى ثقافة الشارع والبيت والمدرسة والجامعة، وهذا ينذر بتمزق النسيج الاجتماعي ونكوص مفهوم المواطنة كهوية للعراقي. وهنا يأتي دور المثقف. 
من السذاجة بمكان تصور أن الاشياء تحدث من تلقاء نفسها، وفيزيائيا لاشيء يحدث في الكون من دون وجود قوة تحركه. والانسان، كل انسان، يميل بطبعه الى العيش بسلام. ولقد عشنا في العراق قبل الاحتلال وبعده، وراقبنا بأعيننا كيف تم الاشتغال على التحيّز والتعصّب الطائفي من قبل سلطات الاحتلال بقيادة بريمر لمجلس الحكم الانتقالي اولا ومن قبل الحكومات المتعاقبة باحزابها وميليشياتها المسلحة، ثانيا، بدءا بالدستور الذي استبدل المواطنة كأساس للانتماء بالطائفة والعرق، واستبدل الانجاز الشخصي للفرد معيارا لتعيينه في هذا المنصب او ذاك بانتمائه المذهبي والعرقي والاحتلالي، واستبدل الجيش وقوات الامن بالميليشيات المتعصبّة. ولن احدثكم عن التنكيل في معتقلات وزارة الداخلية وساحة النسور وقتها وسجون ابو غريب والحوت والسجون السرية بعدها والاغتيالات والانتهاكات التي وصلت الى العرض، والاهانات والتجريح والتهجير القسري.
نعم في العراق طوائف وقوميات (وهذا كان سر بهائه وليس العكس) ولكنها ما تخاصمت ولا تقاتلت يوما، وكانت اختلافاتها ثقافية فوكلورية حتى تم تسيّيسها من قبل الاحزاب ولاغراض مصلحية لا علاقة لها بحب هذا او كره ذاك من الرموز التاريخية التي تمّت اعادة توظيفها في تسويق خطاب التعصّب. كيف يمكن ان نحلم بأن لاتتغلغل الكراهية في قلب أمرأة بغدادية يسحل ولداها من حضنها وهي تتوسل وتقبل حذاء الشرطي الذي يبرز هوية وزارة الداخلية، فيركلها ويوجه اليها اقذع الشتائم، ثم تلقى الثكلى جثتي ولديها في المزبلة بعد ايام مشوهتين ومثقبتين ومكسرتين؟ وهذه حدثت الاف المرات والكل يعلم.
وفي البصرة عراقية اخرى ذات انتماء آخر كانت تسكن في خرائب كلية التربية الرياضية المدمرة والمنهوبة تستجدي الطعام لأحفادها بعد ان قتلت ابنها الميليشيا نفسها التي سحلت ابناء البغدادية. وفي البصرة ايضا عراقية شابة امّ لثلاثة اطفال تعيش تحت سلّم احدى البنايات وتبيع جسدها لأن الميليشيا نفسها قتلت زوجها. وفي الناصرية سيدة مسنّة تحمل ملفات بناتها المتخرجات من كلية التربية تريد تعيينهن كمدرّسات والمليشيا نفسها تساومها على تعيينهن (هذه القصص جميعها وغيرها موثقة بالصورة والصوت والتواريخ لمن يريد ان يتأكد). 
ولكي لا نكرر ماقيل وما يقال، نحن الان ننتفض ضد حكومة انتهكت اولا وقبل كل شيء هويتنا كمواطنين عراقيين ورمتنا بالتعصّب رمادا تذرّه في عيوننا، امام فشلها وعجزها. ولذلك على المثقفين ان ينتبهوا جيدا ويكونوا حذرين جدا حتى لا ينجرّوا الى خطاب التعصّب على الفضائيات وعلى صفحات الانترنت. لماذا يتمّ الحفر في التاريخ بحثا عما يؤطر ويكرّس الجرائم في العراق باطار مذهبي وهو اطار يخدم اجندات استعمارية اقليمية ودولية؟.
فلنترك البحث عن المسمّيات التي امست في حفريات التاريخ لاصحابه من الباحثين في التاريخ. أنه صراع قوى والعراقيون يدفعون الثمن. لماذا لا تقولون الاحتلالين الاستعماريين للنظامين الايراني والامريكي؟ وماذا عن معاناة الطوائف الاخرى من حكومة فاشلة ونظام فاسد وميليشيات مأزومة عقليا ونفسيا وضميرا؟. 
لقد جاءت الحقيقة تطرق ابوابنا، اتمنى الا تجدنا نائمين. فليكن خطابنا حضاريا بمستوى ثورتنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق