قصي المعتصم
تمثل التظاهرات التي
تجتاح العراق، حالياً، تمثل صحوة بعد سبات طويل، ولكن يبدو ان الاصرار على المطالب
المشروعة التي يطالب بها المعتصمون في ساحات العز والكرامة وبطلان التهم التي
حاولت سلطة المالكي إلصاقها بهم باءت بالفشل، إذ امتدت شرارة تلك التظاهرات إلى
انحاء العراق كلها وبدأت المطالب ترتفع سقفها يوماً بعد يوم حتى وصل إلى حد
المطالبة بإسقاط الحكومة وتنحي المالكي،
في البدء علينا أن نوضح
حجم التأثير الذي ستلحقه تلك الاعتصامات وتصاعدها على الحكومة العميلة وعلى من
يسيرها وربط ذلك مع المتغيرات التي تحدث في دول الجوار وتأثيرها في الفعل المقبل.
إن التعاون الإيراني
الأمريكي ومن خلاله (الصهيوني) بات واضحاً لكل من لا يفقه حتى ألف باء السياسة،
ولعبة المصالح باتت واضحة في ما بين تلك القوى الثلاثة، إذ التقت مصالحهم وبات
التعاون متفقاً على بعضه وارتجالياً أحياناً أخرى وما دامت المصالح تسير بخط
مستقيم لا يتقاطع أياً منها مع الآخر فلا نتوقع تغييراً في المواقف سواء من
الولايات المتحدة أم إيران لان كليهما يستفيد من الأوضاع القائمة والمستفيد الآخر
(الكيان الصهيوني) والذي قد يبدو للآخرين غائباً، لكن الحقيقة أنه يستفيد أكثر من
الجميع خاصة بعد ما سمي بالربيع العربي والذي ستثبت الأيام أنه ليس إلا خريفاً
عربياً وأنه ربيع للصهيونية وأمريكا وإيران، وقد تدخل تركيا لاعباً رابعاً إن لم
تكن دخلت!!
لذا علينا أن نوضح حجم
التغيير الذي سيحدث إذا ما نجحت الجماهير العراقية في الحصول على ما تنادي به
وتأثيره في الحلف الثلاثي اللامقدس الذي أشرنا إليه، وبالتالي كم لوناً من الخطوط
وضعت وما اللون الذي سيكون ما بعده الطوفان.
إن إسقاط العملية
السياسية في العراق سيكون لها تأثير واسع النطاق قد يمتد إلى الدول المحيطة به
كلها، وقد يسهم بتصحيح مسار الثورات العربية التي بدأت تأكل نفسها وفقدت البوصلة
التي بدأت بها أول انطلاقها مما سهل لقوى لا تنتمي إلى تلك الثورات بركوبها
والانحراف بها بعيداً عن مسارتها الحقيقية، وها نحن نرى ما يحدث في مصر وليبيا
واليمن وما ستؤول إليه الأمور في سوريا.
فما هي نتائج
نجاح ثورة العراقيين؟
انحسار
المد الإيراني
إن سقوط الحكومة
العراقية التي تسيطر عليها إيران سوف يجعل إيران في وضع صعب جداً وسيقطع عليها
طريق دعم حلفائها في سوريا ومن خلالهم إلى حزب الله في لبنان، وقد يسقط كلا
الطرفين، كما سيقوض مشروعها الصفوي ويضعف خلاياها النائمة والمستيقظة كلها والتي
تعيث فساداً في الأقطار العربية والإسلامية وينهي آمالها بتصدير ما يسمى بالثورة
الإسلامية كما تدعي، وستشجع القوميات والمذاهب المضطهدة داخل إيران للثورة ضد
الحكام الفرس الذين يهيمنون على مقدرات أطياف الشعب الإيراني.
ضرب
المصالح الامريكية
إن انتهاء التهديد
الإيراني لدول الخليج العربي سيجعلها تنعم بالأمان والاستقرار وسينعكس ذلك على
رفايتها الاقتصادية وزيادة ميزانها التجاري ويكون لها فائض نقدي سيسهم برقي تلك
المنطقة من خلال الخروج مما يسمى (الحماية الامريكية) ضد التهديدات الإيرانية
والتي بموجبها تجني الولايات المتحدة مئات المليارات سواء عبر صفقات الاسلحة إلى
تلك الدول أم اتفاقية حمايتها من أي تهديد نووي لاحق وترجم ذلك إلى تواجد الاف
الجنود الامريكان في قواعد عسكرية فاقت حتى تلك القواعد الموجودة داخل الولايات
المتحدة نفسها ونشرها للعديد من بطاريات صواريخ (باتريوت) المضادة للصواريخ،
وبالطبع كلفة كل ما موجود على اراضي تلك الدول تدفعه تلك الحكومات من اموال
شعوبها.
والنفط العربي الذي
ينساب إلى الاسواق العالمية تحت السيطرة الامريكية وتستفيد من الاسعار المخفضة
التي تبيع تلك الدول نفطها اليها، ليس ذلك مهما بقدر اهمية ان كل الفائض النقدي
لتلك الدول يذهب إلى امريكا عبر لعبة شراء سندات الخزانة الامريكية والتي سينظر
الكونكرس الامريكي في زيادة حجم الدين خلال نيسان المقبل ليصل إلى اكثر من 14
ترليون (اربعة عشر الف مليار) وهو اليوم تجاوز الاثنى عشر الف مليار، علما ان
الدخل القومي لامريكا لا يصل إلى 12 الف مليار أي أن الدين اكثر من الدخل ولا أدري
كيف ستسترد الدول التي تمتلك سندات تلك الخزانة أموالها ونصيحة لهم نقول (اقبض من
دبش)
الضرر
الذي سيصيب دول العدوان
ان عودة العراق إلى
محيطه العربي وتأثيره فيه هو خط احمر بالنسبة لإيران اولا والصهيونية ثانيا، إذ
أنه سيطالب باستعادة الاموال التي نهبت والغاء الصفقات المشبوهة التي حصلت وصولا
إلى الغاء الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة وبالتالي مطالبة الدول التي
شاركت بالعدوان على العراق من دون مسوغ قانوني بالتعويض عن كل ما خسره العراق
ويمثل حجم هذا التعويض ميزانيات تلك الدول لسنوات طويلة، وبالتالي فهذه الدول ايضا
سوف يكون لها دور لابقاء الوضع كما هو عليه.
عودة
الاحتلال المباشر
ان الحلف اللامقدس
والمصالح التي تجمعه (إيران ـ الولايات المتحدة ـ إسرائيل) سوف يفعل المستحيل
ليبقى الوضع كما هو عليه او احداث تغيير تكتيكي يستطيع فيه ضمان عدم تعرض مصالحه
للخطر حتى لو تطلب الامر اعادة احتلال العراق مجددا اذا ما فشلوا في قمع تلك
الاصوات المنادية بالحرية والاستقلال، وقد يتم تبادل الادوار بين امريكا وإيران
كما حدث في السابق عندما سحبت امريكا قواتها من العراق وسلمته إلى إيران، فقد تعود
امريكا وتخرج إيران ولو شكليا بحجة حماية الشعب العراقي، أو عن طريق ارسال قوات
دولية لحفظ الامن والاستقرار في بلادنا، ولكي تستمر لعبة الشطرنج بينهما على الارض
العراقية، وقد يأتي بدل المالكي من يدعي الوطنية وبالتالي نكتشف انه العن من الاول.
الحرب
الطائفية
احتمالية تصعيد الامور
من خلال اللعب على وتر الطائفية والذي عملت عليه إيران في العراق منذ الاحتلال
وإلى يومنا هذا ولا نبالغ اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار احتمالية نشوب حرب طائفية
تقودها إيران ووكلائها من جهة، والقوى الوطنية العراقية من جهة اخرى، كاحدى
محاولات الحكومة للبقاء في السلطة لتنفيذ المخططات التي جاءت من أجلها ولكي يبقى
الوضع العراقي كما هو عليه الان.
الخلاصة
ما ذكر لا يمثل الا
جزءا يسيرا من الحقائق وليس كلها، فهل سيكون من السهل ان يسمح بمغادرة حكومة
الاحتلال بيسر؟ او هل يظن بعض الناس أن الطريق سيكون سهلا؟ وما هي الاحتمالات
المقبلة؟
انها صورة مختصرة لحجم
التأثير الذي سيحدثه الشارع العراقي اذا ما نال مطالبه وبالتالي علينا ان نضع في
الحسبان الاحتمالات كلها وذلك يتطلب انشاء مجلس وطني يضم شخصيات سياسية واكاديميين
ومحللين سياسيين والاستعانة بمراكز الدراسات والبحوث الوطنية وكذلك المواقع
العراقية على الانترنت ومنها الكثير الذي يعمل ضد الاحتلال ويقف مواقف مشرفة من
قضايا حقوق الانسان والتصدي للفساد والتبعية والعمالة، ليتدارسوا جميع الاحتمالات
وان يضعوا الحلول المناسبة لها قبل ان تستفحل، ولقطع الطريق امام الذين يحاولون
سحب هذه الثورة المباركة إلى ازقة مظلمة يتعذر بعدها الوصول إلى الطريق الذي
ننشده.
لا أريد مما ذكرت اعلاه
سوى التذكير بجزء يسير من الحقائق التي قد لا ينتبه اليها بعضهم وبالتالي لا يقدر
حجم ما سيلاقيه وينعكس ذلك على خلل في الاعداد للمواجهة المقبلة، لذا علينا ان
نعرف حجم عدونا وما لديه من امكانات وما الضرر الذي سيصيبه جراء الخسارة وما حجم
استعداده للمضي والاصرار على القتال للحفاظ على مصالحه، لان المعركة المقبلة بين
الشعب العراقي والحكومة المنصبة من المحتل ليست صراعا داخليا تحت مسمى حقوق ومطالب
وديمقراطية وانتخابات وغيرها من الشعارات التي ينادي بها اي شعب يتطلع لحياة افضل،
بل هو صراع ارادات ومصالح دول لا أبالغ اذا قلت إن سقوط امريكا وانهيارها هو أول
نتيجة لعودة العراق إلى وضعه الطبيعي، وانهيار إيران تحت ضغط شعوبها المضطهدة
وانتهاء مشروعها بالسيطرة على الخليج العربي واحلام الصفويين بتدمير امة العرب
وانهاء دينها وقوميتها نتيجة احقاد تاريخية معروفة.
لذا، آمل ان اكون قد
أوصلت بعضا مما يدور خلف الكواليس وما يمكن أن يواجهه شعب العراق ورجال المقاومة
الوطنية الباسلة من تحديات، عليهم دراسة جميع مفاصلها وتداعياتها لكي يعرفوا حجم
التحدي الذي يواجههم ويهيئوا الاسلحة المناسبة، اعلاميا وسياسيا وجماهيريا ومن ثم
حساب احتمال الوصول للمواجهة العسكرية، وعليهم ان يعرفوا ان هذه المواجهة
سيكون تأثيرها ليس على الساحة العراقية فقط، بل سيمتد ليشمل محيط العراق العربي
والدول الاستعمارية المهيمنة على مقدرات تلك الشعوب وبالتالي لن تقف صامتة وقد
تلجأ إلى شتى الطرق لتحقيق اهدافها التي جاءت من اجلها منذ عام 2003 وما كانت تخطط
له قبل ذلك بعشرين عاما، مع الاخذ بنظر الاعتبار أن من نواجههم يمرون الان باصعب
مرحلة في تاريخهم سواء امريكا أم إيران، الاولى اقتصاديا وانهيارها بات وشيكا
والثانية داخليا حيث القوميات والمذاهب المتناحرة وخنق الحريات والاضطهاد بات اقرب
للانفجار وبالتالي ستكون إيران بوضع لا تحسد عليه وستشرب من نفس الكأس الذي سقت به
غيرها.
كما أود أن أشير إلى أن
صمود الشعوب المتطلعة للحرية هو الطريق لنيلها والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك،
ولا أقصد من خلال ما عرضته بايجاز احباط بعضهم على قدر حرصي على التنبيه وواجب
الاخذ بنظر الاعتبار جميع ما تقدم وما النصر الا من عند الله وهو خير الناصرين.
في الجزء الثاني،
سأتحدث عن الاجراءات التي يجب اتخاذها لادامة الصمود واجبار الحكومة على الانصياع
لمطالب الجماهير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق