ا.د.
عبد الكاظم العبودي
حول الغاء تقاعد لصوص العملية السياسية يجري جدل واسع ومتاجرة
ببزنزة سياسية وقحة ومفضوحة وكأن الامر هذا هو قضية العراق دون غيره من الامور.
وفي الوقت الذي تشوى فيه أجساد العراقيين على مجامر التفجيرات الاجرامية
وتشتعل الحرائق في كل أرجاء العراق وتتم إشاعة كل الوان العذابات والجحيم يهرب
المتبطرون، من اصحاب النوائب [جمع نائبة او مصيبة] ، من مواجهة الواقع، فيحاولون المتاجرة بكل تلك
العذابات، ويعلنون عن استكتاب نيابي يجيروه على الصدقات الرمضانية، وبجمع الصدقات
لتوزيعها على فقراء شعبنا وكادحية باسم " التبرع برواتبه" ، وكأن الامر
بات منة وصدقة افتراضية منهم يتم التلاعب بها وقت ما يشاؤون من خلال
طرحها بشعارات ممسرحة بميلودراما غابت الفطنة والكياسة عن قدرة مخرجيها، وهي لا تخلوا
في طرحها حتى من الرزانة السياسية لتعبئتها بنفس طائفي مقيت، وبمحاولات اشعار
العراقيين بأنهم وحدهم السلطة المقررة والمشرعة والمنفذة لهذا التبرع اللا حاتمي
الذي يأتي إستجابة " بأمر المرجعية النجفية ".
يجري تصوير الامر وكأنه حالة طوعية وبركة من
بركات شهر رمضان تأتي منهم ، وليس إستجابة تحت ضغط ثورة الشارع وحركة المطالب الشعبية المنادية
بالاقتصاص من امتيازات اللصوص والنهابين، سواء كانوا اليوم في السلطة او عندما سيغادرونها
غدا وبدون رجعة.
وللمفارقة المبكية والمضحكة في آن واحد ان هؤلاء النهابين
للمال العام، يدعون انهم اسلاميون ويخافون الله ورسوله ويطيعون آل بيت الرسول في
ليلة القدر حيث قرروا اعلان مكارمهم على شعب العراق، لكنهم في الحقيقة، وكما
تفضحهم صفقاتهم ، انهم تشبثوا بالامتيازات حتى النخاع حتى عمت شراهتهم كل بصيرة
عندهم وباستكلاب قل له نظير في العالم أكلوا
اللحمة والعظم أيضا.
لم يعد خافيا
على العالم كله ان منهم اعطى لنفسه الحق في تزوير الشهادة وسنوات الخدمة في مؤسسات
الدولة ومنح نفسه امتيازات السجين السياسي والتعويض عن سنوات تواجده في الداخل او
الخارج وعمل على سرقة اصوات الصندوق الانتخابي واحتلال المقعد النيابي او في مجالس
وحكومات المحافظات، حتى ولو كان جاهلا او اميا ، ومنهم من سجلوا اسمائهم في دواليب
المجلس النيابي والهيئات العليا المستقلة ووظائف الدولة ، ويبرر لنفسه حق التقاعد بدرجة
خاصة حتى ولو مر يوما واحدا في الخدمة المدنية او العسكرية ، منهم من تسلق
وحصل على صفات لا يستحقها كوزراء ونواب ووكلاء وزارات ومدراء عامون ومستشارون
واصحاب الوظائف والدرجات الخاصة، ومنهم السفراء والقناصل والاعيان واصحاب الرتب
العسكرية والمدنية العالية، ومن أمثال هؤلاء مئات الالوف من الذين كثرت عناوينهم
وامتيازاتهم وباتوا في انتفاخ سرطاني في
تعداد الوظائف وتضخم ميزانياتها فهم اليوم اكبر من حجم الدولة نفسها وميزانياتها القادمة
لسنوات طويلة.
الشارع المنتفض يفهم كل تلك المناورات التي يفبركها
هؤلاء المستكلبون على الامتيازات من دون استحقاق مهني او حتى سياسي، وهم يستشعرون
اليوم قرب أجل نهاياتهم، فأمل الجماهير منهم ، ان فهموا الرسالة، أولا برجاء التشريع بالغاء ذلك التقاعد غير العادل لهم كامتياز شرعوه
لانفسهم ، دون غيرهم ، من الفئات، وهو يتجاوز بمضاعفاته مرتبات افضل الكوادر والنخب
والاطارات العلمية والوظيفية التي خدمت الدولة العراقية لعشرات السنين.
لكن رسالة
الشارع تلك بكل عفويتها الاولى يبدو وحتى هذه اللحظة ان هؤلاء المرتزقة لم يرغبوا
بقرائتها؛ لانهم بالغوا بجشع الاستحواذ على كل شئ في العراق.حقا انهم جراد النكبة
العراقية في كل حقولها.
وما المناورات التي نسمعها من فصائل العملية السياسية
حول هذا الموضوع الا انعكاس واضح للدناءات التي يفكر بها هؤلاء. لنستعرض بعضا
من الاساليب الملتوية والغبية التي بدأوا
التخطيط لها لإجهاض حركة الشارع المنتفض ضدهم أساسا.
ليس المهم ان يصرح قبل البارحة بيان جبر صولاغ في ندوة منقولة
تلفزيونيا على المباشر وهي ممسرحة أمام جماعة قائمته "المواطن" ويعلن عن
طلبه المتوسل الى "سماحة مرجعه الاعلى حجة الله والمسلمين" السيد عمار
الحكيم راجيا منه بالتوصية بقرار او
اقتراح منه بالتنازل عن تقاعد رواتب
النواب والوزراء واصحاب الدرجات الخاصة من جماعتهم ، ثم يسارع زميله في التحالف
الوطني بهاء الأعرجي من "كتلة الأحرار" الى دائرة كاتب عدل الكاظمية، ويوصي من خلال نص مشبوه مفبرك الاغراض والمقاصد
بإعلان نية التبرع برواتب اعضاء كتلته الى الدولة، وكأن تلك الرواتب بكل تضخمها
وامتيازاتها باتت حقوقا مالية ثابتة لهم تستحق حتى التوريث لاحفادهم .
وفي صيغة غامضة من خلال الاعلان يمكن الفهم من النص والايحاء انه يمكن التراجع عن ذلك التنازل، وفي
أي وقت ، حال انتهاء الضغوط الشعبية العارمة عليهم.
لاحظوا معنا من
صورة الوثيقة التي نشرها بهاء الاعرجي على وسائط الاعلام كيف يشترط " تيار الاحرار " في الوثيقة
المنشورة حالة تبرعهم برواتبهم اعلاه، وبعبارة
مشروطة تقول " في حالة ما قرر المجلس ....الخ.".
والاغرب ان بهاء
الأعرجي يطلب انعقاد جلسة سرية مغلقة
لمناقشة المطالب الشعبية، و " المرجعية" لإلغاء تقاعد المرتزقة في مجلس النواب. الجدير بالتذكير انه حتى هذه اللحظة تعلن امانة
المجلس انها لم تستلم طلبا خطيا ورسميا من اية جهة فردية كانت او كتلة حول نية
وطلب انعقاد جلسة طارئة للمجلس لمناقشة قضية الرواتب المتضخمة والتقاعد المنتظر
والغائها او تعديلها، وكذلك ننوه ان المجلس في حالة عطلة تمتد الى ما بعد عيد
الفطر القادم.
من حقنا ان نتسائل انه : لو كان جماعة التيار
الصدري مخلصين لمطالب الشعب ولقواعدهم لأعلنوا
رسميا موقفهم ومطالبتهم بالغاء تقاعد
النواب، وبشكل علني وصريح من دون لف أو دوران او اللجوء الى كواليس الاجتماعات
المغلقة لرؤساء الكتل للمجلس المنكود، صاحب شعارات : " دعه يدفع دعه يمر
" و " نمرر المصادقة بسلة من القوانين "؟؟
وكم قانون مشبوه
ضد الشعب العراقي سيمرر في تلك السلال الطائفية والاثنية والجهوية القادمة عند
مناقشة قضية الرواتب التقاعدية .
ان حركة الشارع المتصاعدة نحو الاعلان عن العصيان المدني
المرتقب ستتجاوز مطلبها حول الغاء قانون التقاعد لأعضاء مجلس النواب الحالي وما
سبقه الى اعلان مطلب الجماهير القاضي بمحاسبة كل اللصوص والمرتزقة المشاركين في
العملية السياسية، وتطبيق قانون عادل ومنصف ضد الجميع، هو قانون الشعب الذي نفذته
كل الشعوب الثائرة على المظالم والحرة بحق من سرقوا ثرواتها وتاجروا بعذاباتها ، وهو
" من أين لك هذا ؟"
وان غدا لناظره قريب
مسرحية تنازل قائمة "احرار" بهاء الاعرجي
و"مواطن" عمار الحكيم عن الرواتب المتداولة اعلاميا وعبر مقاطع اشهارية
مدفوعة الثمن للقنوات المتشاركة في اللصوصية باتت اكثر من لعبة مفضوحة.
يرى المحامي اسعود اسعد سعدي الحمداني في قرائته
القانونية لما اعلنه الاعرجي وصرح به غيره: ان ذلك التبرع لا يجوز، مستندا الى
المادة 21 من قانون التقاعد العام التي تنص على عدم امكانية التنازل عن الراتب
التقاعدي لأي جهة كانت؛ لذلك فان ما تم الاعلان عنه، اي التنازل عن الرواتب
التقاعدية لبعض النواب، ليست له قيمة قانونية". والصحيح الواجب اجراؤه هو
ان على النواب الغاء قانون تقاعد النواب بقانون يشرع ويصادق وفق النظام الداخلي
لمجلس النواب العراقي .
هذا من جانبهم
المطلوب وباسرع ما يمكن للتخلص من ضغط
الشارع عليهم كما يرى البعض منهم ممن ادركوا ان الوقت لم يعد لصالحهم طالما ان
الشارع ومطالبه اليومية يتجاوز بطرهم وتمسكهم بالامتيازات التي افتضحت خلال مناقشة
ميزانية المجلس التي قاربت حوالي نصف مليا دولار وهو ما يعادل ميزانية احدى الدول
المتوسطة الحال .
والبعض الآخر من النواب وجدها فرصة لاستكمال ما بدأوه في
انتخابات مجالس المحافظات فبدأ يزايد على غيره من نواب "دولة القانون" و
" التحالف الكردستاني" باستعداده لتعديل الرواب والاستحقاقات التقاعدية
مقابل امتيازات اخرى مبهمةن محاولة منهم
استباق الظروف والتهيأة لحملة انتخابية مسبقة بعد ان برزت في الافق احتمالات سقوط
او استقالة حكومة المالكي او حل البرلمان ربما حتى قبل مناقشته لقانون تقاعد
النواب بسبب تسارع انهيار الوضع الامني والسياسي، من مؤشرات ذلك دعوة الامين العام
للأمم المتحدة بان كيمون السياسيين الحاكمين في العراق وضع حل للوضع الامني
والاستقرار بسبب تصاعد حدة المجازر الاخيرة واعمال القمع وفلتان الاوضاع في كل
جانب .
نحن نرى ان حركة الشارع العراقي المتوجهة الى توسيع
دوائر الاعتصامات والتظاهرات وتنسيقها في إجمال ووحدة كل المطالب من خلال وثبة
عراقية ستعصف بكل هؤلاء الطارئين وعندئذ لم يعد موضوع تقاعد مرتزقة العملية
السياسية الا مطلبا جزئيا وسيرتفع سقف
المطالب نحو محاسبة العديد من هؤلاء المرتزقة باسم النيابة وتمثيل الشعب، والشعب ظل
ولا يزال براء منهم.
على حركة الشارع
المتفجرة غيظا من سلوكيات هؤلاء ان تطالب بشعارات اكثر جذرية وهو من اين لك هذا.؟
وان الحق سينصف كل من قدم فعلا جهدا وخدمة فعلية في الدولة العراقية وليس هناك أي
استحقاق لما شرعته تلك الزمر المتحاصصة
على اللصوصية من تقاسم للثروات الوطنية باسم القانون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق