28‏/7‏/2013

ماذا يتوقعون من المعذبين في أقبية المعتقلات العراقية؟

هيفاء زنكنة

اهم حدث شهده العراق، خلال الاسبوع الماضي، هو قيام مجموعات مسلحة بالغة التنظيم بالاغارة المتزامنة على سجنين ونجاحها في تحرير اعداد من المعتقلين. ومثل كل شيء يجري في ‘العراق الديمقراطي’ يحيط الغموض باعداد المعتقلين الكلية، وأسمائهم. ويصبح الغموض اشمل واوسع حين يتعلق الامر بمن تم تحريرهم، الذين، تبعا للتصريحات المتضاربة، تتراوح اعدادهم ما بين 100 الى ثلاثة آلاف معتقل.


السجنان المستهدفان هما سجن أبو غريب، سيىء الصيت عالميا وهو في ضاحية بغداد الغربية، وسجن التاجي سيء الصيت محليا، والواقع ضمن منطقة عسكرية محصنة مترامية الأطراف حوالي 40 كم شمال بغداد . كلا السجنين اصبحا جزءا لايتجزأ من بنية الشخصية العراقية وبالتالي عموم الشعب، بأغلبياته وأقلياته، اذا ما اردنا استخدام التوصيف الشائع للتعمية على العلاقة المتداخلة بين الجلاد والضحية التي لا تعدو القمع والأجحاف السياسيين. كلا المعتقلين رسخا مفهوم التعذيب الملتصق التصاقا، لا مهرب منه، بالتوقيف والاعتقال، مهما كانت الاسباب. 

واسباب الاعتقال والاحكام المؤبدة والاعدام المتوفرة، قانونيا، للنظام العراقي كثيرة. من الواضح ان من بين المعتقلين عددا ممن قاوموا الاحتلال ومستخدميه. ومقاومة الاحتلال، كما هو معروف، حق قانوني وشرعي وواجب اخلاقي. الا ان بقية المعتقلين هم ضحايا ما يعرف بالمادة ‘اربعة ارهاب’ من قانون شرع بعد الإحتلال، المبنية على المداهمات، ووشاية المخبر السري، والتهم الكيدية، واستخلاص الاعترافات بواسطة ابشع الطرق، واصدار الاحكام من قبل جهاز قضائي غير نزيه. 

وهذه حقائق، تستند على تقارير وشهادات لمعتقلين، وثقتها المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية منذ عام 2003، ولاتنفك تكررها حتى اليوم. ولم يشهد المواطن العراقي وضع حد لها على الرغم من تظاهراته واعتصاماته السلمية المستمرة منذ كانون الاول / ديسمبر 2012 وحتى اليوم في العديد من المدن والمحافظات. فما الذي يتوقعه ساسة النظام؟ الا يعلمون، وهم ابناء المظلومية التاريخية والمعاصرة، التي يستندون اليها في شرعنة حكمهم، ان الظلم يلد الظلم والانتقام يفقأ العيون؟ الا يدفع الحيف الانسان الى التطرف والجنون؟ وكيف التمييز بين الارهابي والمظلوم في ظل نظام بلا قانون وبلا عدالة؟ 

الكل، بضمنهم ساسة النظام الحالي، يعرفون ماهو سجن ‘أبو غريب’، وكيف اصبح صورة وفيديو للامبريالية الوحشية ووجه الاحتلال الهمجي تعذيبا واغتصابا. لكن قلة تعرف ما يجري في سجن ‘التاجي’ على الرغم من اضراب المعتقلين عن الطعام، عدة مرات، ونداءات الاستغاثة التي يوجهونها، دوما، الى العالم الخارجي. كل الدلائل تشير الى ان التعذيب والاهانة واستباحة كرامة المسجونين مستمرة. وكان رعد الدهلكي، النائب عن القائمة العراقية، قد كشف عن وفاة معتقلين في سجن التاجي بسبب إضرابهما عن الطعام احتجاجاً على سوء المعاملة، واعتقالهم من دون ذنب لأكثر من 3 سنوات وعدم عرض ملفاتهم على القضاء (وكالة أور 23 /12/ 2012). وبين الدهلكي أن ‘بعض المعتقلين أمضى أكثر من 5 سنوات من دون توجيه اتهام واضح له ومن دون عرضه على القضاء’. وتهدد ادارة السجن المعتقلين ‘ بالنقل إلى معتقلات نائية وأكثر قسوة في الجنوب أو الشمال، بالاضافة الى الضرب والتعذيب’. كما سرب معتقلو التاجي موقع (فلسطينيو العراق، 3/7/2013) خبرا حول استمرار حملات التعذيب والإضطهاد للمعتقلين بإنتقائية طائفية. وكيف ان إدارة السجن تمنع المعتقلين من إقامة الصلاة، في بداية شهر رمضان، وزجهم في المحاجر الإنفرادية بسبب ذلك. 

من بين الكثير الكثير مما نشر، خلال الاسبوع الماضي، حول الهجوم المنظم على السجنين والاهتمام الأعلامي بالتفاصيل العسكرية والاسلحة والمتفجرات والانتحاريين، استوقفتني شهادة أحد المعتقلين التي تم توزيعها عبر شبكة التواصل الاجتماعي بتاريخ 23 /7 . تحدث فيها المعتقل عن كيفية تعامل ادارة السجن معه والآخرين. وكان قد قضى في المعتقل اربعة اعوام بدون ان يقدم الى القضاء، قائلا: ‘والله كنا في معتقل أبو غريب نجبر على أن نشرب بول السجان، والله كنا نقبل حذاء السجان… كنا نسمع أصوات الرجال الأبطال يصرخون جراء قلع أظافرهم، وتكسير أصابعهم… وأنا شخصيا تم قلع أظافر رجلي ويدي… أقسم بالله كنا نجلس في الشمس بدرجة حرارة صيف العراق الحارق، فوق كراسي حديد، ونحن مقيدون، وكان السجان يتبول علينا ويجعلنا نشرب بوله. قبل 6 أشهر تم اجبار أسير يمني الجنسية إسمه زيد على تنظيف المرحاض بلحيته ـ والله على ما أقول شهيد ـ ومن ثم اختفى زيد إلى حيث لا نعلم’.
ومن يفترض ان هذه الشهادة مبالغ فيها لأنها صادرة من ‘ارهابي’ هارب بمساعدة القاعدة، عليه قراءة التقارير الدولية عن كيفية معاملة رمزي شهاب أحمد (في السبعين من العمر) بعد اعتقاله بتهمة ‘ تمويل منظمات ارهابية’. يخبرنا تقرير منظمة العفو الدولية ان احمد، المقيم بلندن، اعتقل بالموصل، عام 2009، بعد ان توجه اليها لتفقد ولده عمر الذي اعتقل مع آخرين في حملة مداهمة عشوائية. ونقل الى معتقل المثنى السري، الخاضع لسيطرة المالكي، لعدة أشهر، وقضى عاما في سجن دون محاكمة أو توجيه أية تهمة إليه. ثم تمت تبرئته في ثماني محاكمات ليتم استبدال القاضي بآخر قام باصدار الحكم بالسجن لمدة 15 عاما بعد جلسة لم تستمر أكثر من 15 دقيقة. وصفت المنظمة الحكم بأنه ‘ظلم فاضح’ وان الحكم استند على اعترافات استخلصت اثناء التعذيب. حيث تعرض رمزي شهاب للصعق بالكهرباء والضرب المبرح وادخال عصا في دبره. ولأن همجية الجلادين بلا حدود، تقوم اجهزة التحقيق باغتصاب المعتقلين او التهديد باغتصابهم او اغتصاب النساء من اقاربهم.
وكان التهديد الذي كسر مقاومة الرجل الجليل هو انهم سيجعلون ابنه عمر يغتصبه اذا لم يعترف بانتمائه للقاعدة. فعن اية قاعدة وارهاب يتحدث ساسة النظام ؟ ما الذي فعله هذا الرجل، وهو واحد من آلاف المعتقلين، ليستحق تعريضه لكل هذا العقاب ولتحطيم حياته؟ هل هناك ارهاب اشد فتكا بالناس من ارهاب الحكومات القمعية ؟ 
ولعل الأدهى مما يجري، الآن، من احداث دامية هو ما سيحدث غدا. ويستطيع أي مراقب أن يشتم راحة الخوف من إنهيار الوضع على رؤوس القوم في منطقتهم الخضراء، والدعوة المتزايدة ل’تفعيل إتفاقية التنسيق الإستراتيجي’ مع أمريكا أمنيا، والأعتراف بالعجز بعد سنين العنجهية والتشدق بالخطط والـ600 مليار دولار من عوائد النفط. واذا كان ساسة اليوم يرتزقون على روح الانتقام ممن يظنونهم سببا لمظلوميتهم التاريخية فان ابناء الغد، ممن يتعرضون للظلم، اليوم، لن يذيقوهم غير ذات العذاب. عسى، يومها، الا يكون الاصغاء لحكمة كونفوشيوس القائلة ‘قبل الشروع في رحلة الانتقام، أحفر قبرين’، متأخرا. 
ولعل من المفيد تذكير ساسة المنطقة الخضراء ان القاعدة (أيا كانت) لم تكن موجودة بالعراق قبل الاحتلال الذي ساهموا فيه وان الحزب الذي كان متهما بالارهاب هو حزب الدعوة، أي ذات الحزب الحاكم اليوم. 

‘ كاتبة من العراق

المصدر هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق