ا.د. عبد الكاظم العبودي
الامين العام لهيئة التنسيق المركزية لدعم
الانتفاضة العراقية
هل من ملكة لغوية او قدرة ابداعية، مهما كانت لدى الكاتب، ان يصف هذا الهول الاجرامي الدموي العاصف من التفجيرات التي تجتاح كل مدن بلادنا ، كل يوم على مدار الساعات القاسية التي يعيشها شعبنا الصابر المحتسب بقدره الى الله في هذا الشهر الفضيل.
هل من ملكة لغوية او قدرة ابداعية، مهما كانت لدى الكاتب، ان يصف هذا الهول الاجرامي الدموي العاصف من التفجيرات التي تجتاح كل مدن بلادنا ، كل يوم على مدار الساعات القاسية التي يعيشها شعبنا الصابر المحتسب بقدره الى الله في هذا الشهر الفضيل.
وأمام هول الدهشة والتسليم للأقدار الموحشة،
فان ماكنة حصد الارواح في العراق تكون قد تجاوزت حتى حدود القدرة على تنفيذ كل هذا
الذبح المتتالي لأهلنا في سائر مدن العراق شمالا وجنوبا ولا تلحق بها كل وسائل
الدفن في المقابر الجماعية اليومية المتجددة على قدم وساق.
ما عاد هناك من صبر وقدرة تحتمل كل هذا
الجحيم الماثل امامنا ونحن بدون حراك فعلي لوقفه، ووأد الفتنة المرجوة من خلال
تصعيده بوتائر فوق المعقول .
من الذي يلعب بكل هذه الاشلاء في وطن مزقته
أهواء السياسة وركائز الاحتلال ومطامع الغير به ، يقينا ان المشهد لا يحتاج الى
تحليل عبقري عندما نرى ونسمع عن ما يجري،
والعراق بات جثة اجتمعت عليه المصالح الدموية في تنفيذ المجازر وفوقها تنهش غربان
الاحتلال وذيوله وأطماع جيرانه.
انهم بأفعالهم الدنيئة هذه يتصورون ان لهم
القدرة على دفع الجموع الصابرة لإقامة المتاريس والعوازل الطائفية والإثنية
والمحتشدات البشرية في كل بيت وحارة و زقاق، ليتقاتل العراقيون في ما
بينهم لتنفيذ أكبر ابادة شاملة محتملة ضد وجودهم الانساني والمعنوي
والاجتماعي كشعب ، ولكي تبقى قلعة المنطقة الخضراء حاكمة من برجها العالي، مشرفة
على بقايا من خارطة لوطن عراقي تُمسح عن تضاريسه أوجه معالم
المدن والحياة والأنهار، ولكي تبقى الارض العراقية صحراء ممتدة
مُؤَشرعليها فقط بخرائط تلول المقابر الجماعية القديمة والجديدة ،
وتغطيها خطوط انابيب نقل النفط والغاز المصدر الى الموانئ القريبة والبعيدة.
تلك صورة العراق التي يريدونها وهم ينتظرون
اياما اكثر دموية وهمجية، ومظاهر اكثر خرابا وأكثر صدمات وأهوال سيشيب لها الرضع.
تقول معطيات علوم البيولوجيا والطب : ان
الجسم الحي لا يستجيب لأي احساس كلما تصاعدت في البدن واستمرت فيه نوبات وخز الالم
في عروقه وأنسجته الحية ، من دون استراحة او فواصل او توقفات زمنية تتيح
له الاسرخاء التسكين من حدة الآلام. وهو نفسه ما يحدث في التخدير العام طبيا و
فيزيولوجيا ، وهكذا هو حال العراقيين اليوم، باتوا أشبه بكائنات روبوتية، تعيش
حياة روتينية ،مصابون بالدهشة والشلل والركون الى القبول والتعايش مع واقع وعبث
الاقدار ومع سقم الايام وبقاء حكم الأزلام والأنذال فوق رؤوسهم.
ان برودة الدم التي تتعامل بها حكومة المالكي
وبرلمانه واحزابه وتنابلة عسكر بغداد لا تعني فشلهم فقط ، كمؤشر مخزي في وظائفهم
الاحتلالية، ولاكتشاف اسرار ما يجري أمامهم. وبتكرار افعال الجريمة
المستمرة؛ فهم يبدو قد إطمأنوا تماما الى معرفة هوية الفاعلين الحقيقيين
للمجازر،إن لم يكونوا من فاعليها، وقد تعايشوا معهم ، وتقاسموا المحاصصات الدموية
والمالية والسياسية، وتعاقبوا على تنفيذ المجازر المطلوبة منهم ، كل حسب دوره
ووظيفته، حتى بات المجتمع العراقي نفسه مريضا ومنهكا ومحبطا ايضا ، وبات
الكثير من العراقيين اسرى هذا العبث والخراب وقبول الموت باستسلام غريب بانتظار
المجهول القادم.
لعبة السيارات المفخخة والعبوات الناسفة
والقنابل الموقوتة يمكن اكتشافها وبسهولة ؛ إن اراد القائمون على الأمن
في العراق ذلك، وهم ان عجزوا فهناك امكانيات مالية وخبرات تكنولوجية في العالم ما
يجعل حتى استخدام الروبوتات الصماء والفرق والأجهزة المتخصصة ان تفعل الكثير لمنع
مثل هذا العصف الدموي الاهوج واستمرار العبث بالأرواح البشرية.
لكن تبقى القضية الهامة، والأكثر غموضا
امام الناس هي قضية الكشف عن ما يسمى "اساطير" وحكايات
الانتحاريين المتداولة ، لأنها ستظل مدعاة للتساؤل الحذر المريب عند تناولها او
مناقشتها. ولا مجال بعد اليوم الى تجاوزها والسكوت عنها حكومة ومعارضة ولمن يعنيهم
الامر بها. والسؤال الذي يلح دائما هنا : هل فعلا وصل الامر بفئات من
أبناء العراق "المفترضين انهم تفجيريين وانتحاريين "، وحسب اعلام السلطة وحكومة المالكي وأحزاب العملية
السياسية الذهاب الى الموت المجاني بتشظي ابدانهم من دون أي
مقابل رمزي او حتى معنوي ؟ ، وهل هكذا وبكل هذه السهولة، انهم يذهبون الى الموت
بدم بارد وأعصاب عديمة الاحساس، لكي يفجروا بأجسادهم سوقا او مقهى او
مسجدا او مقاما دينيا او ملعبا رياضيا او مصرفا او مركزا لتوزيع الرواتب او حتى
مستشفى ومجلس عزاء وحتى مقبرة، او شخص معين مقصود مهما علت مكانته الامنية
والسياسية والوظيفية ؟؟ .
وإذا ما حسبنا كل هذا الكم الهائل من
العمليات التفجيرية المنسوبة للانتحاريين فان النتيجة الاكثر رعبا و قساوة هي
التوصل الى حالة من اللا معقول والدهشة الصاعقة في تقدير الحساب وفي النتيجة
والاستخلاص ايضا عندما نحسب ونصل الى حجم مرارة الاستنتاج المنطقي و نتسائل أيضا
هنا مرة اخرى : كم بدت الحياة رخيصة امام ازهاق الأنفس والأرواح لأجل
غاية تنفيذ الخراب أو تفجير معين يتوجه الى اهداف، ليست بذات قيمة تعبوية او
عسكرية أو حتى معنوية أو حاسمة في الاخلال بموازين الصراع المفترض بين خصوم يقفون
على جبهتين متعارضتين من المصالح والإرادات. وهل ان تفجير انتحاري ما ، يُراد به استهداف
خصم او فرد او سلطة او حتى فئة أو طائفة من مجتمع او قطاع من معارضة
اجتماعية او طبقية او دينية او مذهبية سيحل المشكلة لصالح طرف ما من
الاطراف المتصارعة في المشهد الدموي العراقي الماثل امامنا؟.
هل يريد القائمون على تخطيط مثل
هذه الجرائم وبهذه الوسائل ان يقولوا لنا وللعالم : اننا بتنا شعبا ومجتمعا مريضا
وشاذا ومختلا عقليا ولا شفاء له ، طالما ان شبابا ونساء ورجالا من مختلف الفئات
العمرية والطبقات والمستويات التعليمية، وبهذا الكم، محسوبين على
العراقيين ، يذهبون وبهذا الاعداد الكبيرة ، طواعية لتنفيذ مثل هذه العمليات
المنكرة شرعا واجتماعا ، وبهذا العمل المنافي الفضيع المخالف لكل الطبائع
الانسانية السوية، وبكل معايير الحياة المعتادة ، بما فيها احتساب
الحالات المرضية النفسية والاجتماعية والعضوية ، اضافة الى حالات السلوك غير السوي
بتضمين احتساب الطبائع الاجرامية وإدراج الامراض الاجتماعية الشاذة لكي ينتقم
عراقيون من عراقيين آخرين بهذا الكم الدموي المتصاعد، سواء سقط اؤلئك الضحايا من
هذا الصف أو ذاك .
ما يجري هذه الايام من تفجيرات رعناء ، وبهذا
الكم الدموي الخرافي ، تطال كل مدن العراق الآمنة ، تعني ان تقنيات اخرى غير
معروفة للعامة من الناس، بل حتى لهؤلاء الإنتحاريين تُنفذ بأجساد هؤلاء
البشر الذين يُعاملون كقنابل بشرية مفخخة وبإتقان وتقنيات ما. اما
الذين يبدون تعقلا لدراسة الظاهرة من كل جوانبها، ويخضعونها للتحليل المنطقي
والعقلاني والنفسي وحتى الشرعي والديني، لا يمكن ان يعتبروا ان كل هؤلاء البشر،
الذين نجهلهم تماما في كثير من حالات التفجير ، وبواسطتهم ، انهم مجرد افراد
محبطين او متطرفين او طلاب شهادة ، او انهم تحت تأثير سطوة المخدرات او التهيئة
الروحية والنفسية لقبول تنفيذ مهمة الانتحار وتحقيق اقصى حالة من الاذى والموت
للهدف المقصود انهم ذهبوا الى الموت بدراية وبسعادة في مغادرة هذه الدنيا الفانية
، حسب معتقداتهم او تصوراتهم.
يقيني من خلال كل متابعتي وملاحظتي، كسائر
العراقيين ، إن اغلب التفجيرات الانتحارية المنفذة من خلال هؤلاء الذين يمكن ان
نطلق على الكثير منهم انهم " ضحايا" ايضا؛ طالما
وصلت لدي القناعة ان امكانيات تفخيخهم وإرسالهم وتكليفهم
بمهمات محددة أو بأوامر معينة للوصول الى اماكن معينة في المكان والزمان المحدد
للتفجير، وبالتأكيد انهم موصلون هناك وفق توقيت وأهداف لمخطط ما ،وقد
يصل هؤلاء الى تلك الاماكن بسهولة ويسر من خلال تسهيلات لوجستية غير فردية، او
بحكم خدمتهم في القطاع الأمني او غيره ، وهم محملون بادوات التفجير من
دون علمهم ، وهناك يتم تفجيرهم عن بعد او خلال متابعة دقيقة
من طرف شخص يراقبهم عن بعد. وطالما تتوافر وسائل
الاتصال الهاتفي بهم وحتى مكانيات التواصل الكهربي الصاعق مع شحناتهم التفجيرية
المحمولة معهم وقربهم بوسائط شتى ، منها وسائط
لا سلكية ، سواء عن طريق هواتفهم المحمولة او عبر اجهزة دقيقة مزروعة في ملابسهم
او حمولاتهم من الاشياء المتفجرة، مهما كانت كمياتها صغيرة، ومنها ادخلت في نسيج ملابسهم
وصدريات الوقاية من الرصاص او في سياراتهم الشخصية او الوظيفية.
ان هذا الجانب عند تحليله بشكل
اوسع سيكشف ان وراء تفجير للانتحاريين لا تكمن نوايا الفوز بالآخرة او الفردوس
الموعود او قوة الشخصية المرشحة للتفجير؛ بل هو عمل أمني ومخابراتي وتقني عالي
المستوى ويستلزم فريق متخصص له الكثير من المشاركات اللوجستية. ان التوجه نحو
الموت ليس بهذه السهولة ، كما يطرحها الاعلام المشبوه، ومن يعرف
العراقيين وتعلقهم بالحياة وحملهم لمنظومة سامية من القيم الإنسانية ، لا
يمكنه ان يقبل مثل هذا الابتذال في طلب الموت وبهذه الفضاعة عند محاولة البعض التفسير
الظاهري او السطحي ، الذي يقدمه اعلام السلطة وغيرها وثرثاروا
المقابلات التلفزية الخاصة، بصفتهم خبراء في قضايا الارهاب. ولو كان الهدف قاعدة
امريكية للاحتلال او مقرا أمنيا للغزاة او الجواسيس ذو أهمية قصوى، فان
التضحية في مثل هذه المواقف يمكن التوقف عندها كإيثار من اجل تحقيق غايات سامية
عليا. اما تفجير سوق او تجمع من البشر في شارع او دائرة حكومية عادية
او مؤسسة خدمية في مكان عمومي ، اومجلس عزاء أو
عرس يتم استهدافه عن طريق عملية انتحارية، فلا بد ان تكون تلك العملية مشبوهة؛ والموضوع
سيحتاج الى وجهة نظر مُقنعة عند التفسير وتناول هذه الظاهرة المعقدة من كل جوانبها
الفردية والاجتماعية .
خلاصة القول نتسائل هنا: ما
هو طريق ووسيلة الخلاص من هذا الكابوس الدموي المعاش في العراق؟ نقول
على العراقيين جميعا التوقف هنا ، وقفة تاريخية وجادة ، لان السيل الانفجاري
الدموي بلغ عنان السماء، حاملا كل يوم انهارا من الدماء والأشلاء البشرية وخراب
المعدات والمساكن والممتلكات. وكلها تشكو باريها، وتطلب الرحمة لمن
بقوا على قيد الحياة ، معوقين وجرحى ومعذبين ومشردين ولاجئين.
هل يبقى العراقيون معلقون بدواليب
طاحونة الدم وهي تدور من دون توقف ومنذ اكثر من عشر سنوات تسكب شلالات الدم جداولاً قانية
في كل شارع ومكان وبيت في العراق .
هل يمكن القول ان كل العراقيين باتوا
مدانين ومسؤولين ان لم يتحركوا من اجل مصيرهم ، ولطالما لم يوقفوا بارادة وطنية،
وبشكل جماعي مثل هذا الانهيار المجتمعي والأخلاقي ، وطالما ان لغة وطوفان الدم
باتت هي السائدة على المشهد العراقي برمته؟ فلا بد من التوقف لمنع كل ذلك. .
اصحاب الاتهامات الجاهزة لخصومهم بتنفيذ هذه
الجرائم ، عجزوا عن إقناعنا ، واقناع الشعب العراقي والعالم عن تقديم
ثوابت ومستمسكات الادانة وتكييف ملف الاتهام لخصومهم ، وهم لم يقدموا
دليلا كافيا عن هؤلاء المجرمين ، ومن هم فعلا وراء استخدام هؤلاء
الانتحاريين المفترضين . ولم يعد يصدق العقل بعد اليوم ان هناك عراقيا سويا سيقتنع
بما يقال، وما يفبرك من اعترافات ومحاكمات وما يُعرض عبر اعلانات صحفية واعلامية،
متطوعة أو مدفوعة الأجر، وقد بتنا نراها ونسمعها كل يوم وعقب كل خبر عن
تفجير انتحاري، وهي مكررة وممجوجة وتُطرح بسذاجة وخبث
ورتابة مقيتة، تستخف وتستفز عقول البشر الأسوياء .
وان بقيت لنا في رؤوسنا بقايا من عقول،
فعليها ان تحاكم الظواهر بالمنطق والقرائن والاستدلال قبل تقديم الاتهامات اتجاه
أي طرف لاعب في الساحة، وحلا للخلاص من هذه المحنة الوطنية لا بد ان نشير ايضا
بالاتهام بالتقصير الى كثير من القطاعات الصامتة والمتفرجة ايضا من ابناء شعبنا ،
لان الوضع بات لا يٌحتمل ، وعلى كل الاصعدة والمستويات، والمسؤولية الوطنية لايجاد
الحلول لا تعفي أحداً منا داخل العراق وخارجه ، من داخل السلطة والنظام القائم او في
المعارضة الوطنية .
هل يصدق العراقيون ان لدينا كل هذه الاعداد
من الانتحاريين مستعدة لتنفيذ مهمات مثل هذا الموت البشع الذي يستهدف
الابرياء؟ وهل نحن بحاجة الى انتفاضة وطنية تدفع بجموعها الى الساحات؟ ونرى في ذات
الوقت، وكما علمتنا خبرات شعبنا والشعوب الاخرى التواقة للحرية وانهاء الاستبداد:
انه ومهما كانت شراسة السلطة فان ما سيسقط من شهداء وضحايا سيكون الاقل كثيرا من
تعداد الضحايا في اية تفجيرات تطال العراق يوميا. والانتفاضة بشهدائها تعني الخلاص
والحرية.
ومصيبتنا الأفجع والأكثر مأساوية: ان
هناك ملايين من البشر التعساء في بلادنا باتت طائعة ومستكينة وخاضعة لهذا البلاء
وتعيش مُذلة ومُهانة امام واقع استمرار مثل هذه الاقدار الدموية العاصفة وبقاء
السلطة المستبدة والمستهترة بالحقوق والمقصرة في واجبات اساسية هي حماية ارواح
المواطنين المغلوبين على امرهم بين سندانة قمع السلطة ومطرقة الارهاب الدموي.
وعلى الجانب الآخر هناك من اتهموا ،وهم عدة ،
بتنفيذ مجازر هذا الفصل الدموي الماثل امامنا والمتكرر منذ
اكثر من عشر سنوات مريرة ، هؤلاء المتهمين من قبل السلطة المالكية
ومليشياتها عليهم ان يردوا بشكل منطقي ومقنع ، من انهم فعلا ابرياء، ونحن لا نشك
في كثير من قوى شعبنا التي تحاول السلطة تشويه نضالهم ومواقفهم ، وهم بعيدون عن
مسرح الجريمة القائمة في العراق ، وغالبيتهم اعلنوا رفضهم لكل ما يجري في العراق من
جرائم التفجيرات الدموية ،ولكن هذا لا يكفي من دون نشاط اعلامي وتعبوي اكبر يتصدى
فيه ممثلوهم السياسيين بكل الدلائل والمعطيات لكي يصلوا الى الجماهير العريضة
وتقديم الحقائق والأدلة وبكل الوسائل المتاحة لفضح السلطة والجهات ذات الصلة بتلك
المجازر ومواعيد تنفيذها .
ان شعبنا يرفض ان ينفذ المجرمون
اجنداتهم الدموية المشبوهة ويلصقوها بأسماء فصائل سياسية او مقاومة أو حتى ضد خصوم
ومعارضين لهذه السلطة الدموية العميلة، بكل مقاييس العمالة لأكثر من جهة أجنبية،
وهي سلطة طارئة ليست لها اية صلة ولا يربطها بحبل مشيمة العراق شعبا
وأرضا أي رابط سوى مصالحها الفئوية والفردية.
والاهم من هذا كله ذلك ، وفي قناعتنا ، ان
القوة الوحيدة المخلصة من هذه العذابات والرزايا والقادرة على وقف هذا العصف
الدموي الهمجي هي الجماهير العراقية الصابرة والمنتظرة لخلاصها، وهي التي لم يبق
لديها ما تخسره سوى عذاباتها وأغلالها وتعاستها اليومية والمعيشية ان انتفضت. وهذه
الجماهير قد وعت بما فيه الكفاية من دروس الحصار والغزو الاحتلال وما بعده ان
الخلاص الوحيد لها: ان عليها ان تنزل بجميع صفوفها وقواها الى شوارع
المدن الكبرى والقصبات، وفي العاصمة بغداد بالذات لتدك المنطقة الخضراء وتقرب يوم
الخلاص، قبل التوجه الى حضور مراسم مجالس العزاء اليومي المقامة في
حاراتها ومحلاتها ومضايف عشائرها ، ولا تبقى منتظرة وهاجس الخوف والرعب يطالها
بالتفجير والتفخيخ ثانية وثالثة ورابعة بعد كل مصيبة تحل هنا وهناك، ولانهاء فزاعة
الموت بواسطة "خرافة" الانتحاريين. وعلى جماهيرنا
ان تكفكف دموعها والتوقف عن الندب والعويل والشكوى والتذمر الصامت المستكين لقضاء
الله وقدره، والذي لا طائلة منه بالانتظار من دون تحرك والتوجه الى انجاز العمل
الثوري المنتظر كحل حتمي ولا مرد عنه قدرا لتحرير العراق وشعبه.
ولو تحولت جموع تشييع جثامين
الضحايا بدلا من التوجه الى المقابر وتجمعت تضامنيا الى تظاهرات ستحسم
قضية اسقاط السلطة حتى قبل التوجه الى المقابر الذي بات
امرا يوميا ، ولان العراق كله بات اليوم مقبرة جماعية ، فلا بيت سيحمي العراقيين
ولا حي او زقاق سيذود عن سلامتهم او امنهم، ولا حصن او
حماية امنية او عسكرية او اسوار او خنادق او حزب او وظيفة ستمنع
عنهم القتل اليومي العشوائي والمجاني يتم تنفيذه لصالح حفنة من القتلة
والفاشلين بأجهزة الامن ومرتزقة المليشيات والاحزاب المتقاسمة لريوع اموال
السلطة وامتيازاتها.
وطالما ان العراقيين، في اغلبيتهم
الصامتة، تركوا للوحوش البشرية والضواري السياسية استمرار مظاهر التلذذ السادي
برؤية أشلائهم ودموع اطفالهم ونسائهم والتمتع بسماع الاخبار العاجلة
بفداحة مصائبهم وجمع حصاد نتائج تفجيراتهم الدموية المخططة ضمن اهداف لم تعد خافية
على احد من العراقيين في كل ارجاء العراق.
الشارع العراقي، بكل طوائفه وفئاته وطبقاته
ومثقفيه وبعماله وفلاحيه وبطاليه واسر ضحايا المأساة الوطنية، عليه ان يمتلأ
مُوحدا بعزيمة كبرى، ويحتشد بجميع الأحياء وفي كل المدن والقصبات ،
وبالغضب الثوري المشروع والإرادة الحازمة، والاحتجاج المنظم والواعي
يجب الاستمرار بالانتفاضة الوطنية وتطوير وسائل استمراها السلمي حتى يتم رحيل كل
هؤلاء المجرمين الطارئين على وطننا، ولكي يقف تدفق شلال الدم في شوارع مدننا
العراقية الى الابد.
ان اسقاط حكومة المالكي ومحاكمتها على
تقصيرها في حماية ارواح الناس وممتلكاتهم بات واجب ومطلب الجميع ، ولا يقل هذا
الامر اهمية في تحقيق ادانتهم اليوم وفي المستقبل امام القضاء العادل والمحاكم
الوطنية والدولية كمجرمي حرب ومنفذي مجازر ابادة جماعية .، ولا ملاذ لهم بعد
اليوم، الا الوقوف امام العدالة والقانون والقصاص، كمجرمين ومنفذين ومساهمين
ومتواطئين وشهود زور وقضاة مزيفين وسياسيين مرتزقة يوظفون تلك الجرائم
لرصيدهم المخزي ، غالبيتهم شاركوا ويشاركون في تفاصيل تنفيذ هذه
المجزرة المستمرة .
ومن دون الانتفاضة الوطنية
الشاملة، وبوقفة تاريخية مشهودة ومنتظرة، فلا ضمان بعد
اليوم لإيقاف هيجان وجولان الاعاصير الدموية المحتملة
والمقبلة. ولا شك ان القادم سيكون أكثر رعبا وبشاعة عما يجري اليوم، وعما نراه
ونسمع به الآن على مدار الساعة في العراق الجريح المُدمى.
اللهم اني بلغت في مقتبل ايام هذا الشهر
الرمضاني الكريم ومع ذلك لم يترك لنا الجناة فرصة او ساعة من دون نزف، لكي لا نرى
كل هذه الدماء البريئة ونرى أهلنا في سائر محافظات العراق وهم مستشهدون وصائمون،
تصعد ارواحهم الطاهرة الى باريها شاكية عند ديوان المظالم ظلم
الطغاة والحكام، ان الله العلي القدير لا محالة سينصف الضعفاء والمُستضعفين يوما
ويقرب من يوم القصاص، انه سميع مٌجيب..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق