26‏/6‏/2013

الصمت المخزي حول أوضاع اسرى الحرية في العراق.. من الاستجواب الى الغرغرينا 2

ا.د. عبد الكاظم العبودي
الامين العام لهيئة التنسيق المركزية لدعم الانتفاضة العراقية
وصم التاريخ تسمياته بالعار وهو يدين بذلك تلك العقائد والممارسات العسكرية والاجرامية المقترنة بكل احتلال او ابادة او قمع، وخلال سنوات الحرب العالمية الثانية وبعدها اشتدت اللعنة على كل من الفاشية والنازية وغيرها من الحركات التي ارتبطت عناوينها بممارسات القسوة والقمع الدموي  ضد غيرها من الفئات او الشعوب.

كما عبر العالم في كل الظروف عن احترامه وتكريمه للمقاومات الوطنية وحركات التحرر التي تواجه العسف الاستعماري والقمع الدموي والاضطهاد، والساعية الى الحرية والانعتاق .
ورغم أن تجارب الأمم الحية، ذات التاريخ الحضاري المعاصر، تستذكر تلك الايام الكالحة  من احداث بلدانها، بما فيها تلك الأمم التي تورطت نخبها العسكرية والسياسية بممارسة غرور القوة والغطرسة وفي التورط بجرائم يندى لها الجبين الإنساني لدوافع استغلال ونفوذ واطماع استعمارية محظة. وهكذا هو حال  الولايات المتحدة المعاصر التي انتقلت بطموحاتها ومغامراتها من وحل السقوط في حرب الفيتنام الى وحل آخر في افغانستام ومنها الى العراق، وتورطها بتنفيذ العدوان العسكري الثلاثيني، ثم الحصارات العسكرية والاقتصادية والغزوات وبعدها الاحتلال والتورط في المجازر الدموية لتكريس ظرف الإحتلال على العراقيين باستغلال القوة الغاشمة، لتزج في سجونها وسجون حلفائها، مئات الالوف من صفوة الرجال والنساء الاحرار من ابناء الشعب العراقي، ممن رفضوا هذا الإحتلال والانصياع لسلطاته، ثم قاوموه، قدر استطاعتهم سياسيا وعسكريا حتى، هزموه ببسالة منقطعة النظير يشهد لها العالم.
وعندما أقدمت ادارة الاحتلال الامريكية على ارتكاب المجازر بحق شعبنا ومارست قواتها ابشع طرق التعذيب لأجل انتزاع الاعترافات في سجون ابو غريب والمطار وغيرها. تكون امريكا، كسائر الامبراطوريات الاستعمارية السابقة والغابرة لم تستوعب دروس التاريخ الانساني وفي قراءة فصل الحرية منه.
ستندم الولايات المتحدة ونخبها يوما على افعالها الجرمية في العراق بعد صحوتها من اوهام تلك الغطرسة العسكرية التي ستقودها الى السقوط مهما كانت ذروتها بالامس القريب، ولا بد أن تدرك  الولايات المتحدة وغيرها ، مسبقاً أو لاحقاً،  إن لكل احتلال نهاية، وان أمام كل احتلال ستكون هناك مقاومة وطنية وشعبية متصاعدة مع تصاعد القمع والاضطهاد، وستتعلم الولايات المتحدة ايضا ان مقابل كل غزوة استعمارية غاشمة، ستكون هناك انتفاضات وثورات وحتى حروب تحرير باسلة وشجاعة وقادرة على العطاء والتضحية وتقديم الدرس التاريخي لانتصار الحرية. وستتعلم ادارات الغزو والاحتلال ان من اهم الدروس المعاصرة: ان كل حرب تحرير عادلة ستقدم لها الشعوب الحية خيرة ابنائها شهداءا واسرى ومقاتلين وسيستمر مثل ذلك العطاء حتى تحقيق النصر، ومن دون يأس، عندما يطول الانتظار .
ومن البديهي ان نذكر هنا:  ان لكل حرب معاركها ومراحلها، وفي خضم  تلك المراحل الصعبة، عندما يختل اللا تكافؤ بين المتحاربين في الامكانيات، سيسقط الكثير من الضحايا والابرياء والثوار، موتا او تعرضا للاعتقال  بيد العدو. وستكون المعتقلات الاستعمارية تعج بالكثيرين من الثوار والرافضين والمنتفضين والمقاومين، سيسقطون رهائن بيد العدو كأسرى ومعتقلين، إضافة إلى الشهداء.
وسيكون من الغباء، وطبقا للمقولة الثورية المعروفة ،ان الاستعمار وادواته كائن غبي، لا يتعلم، وهو سريع النسيان، عندما سيظن ان هؤلاء الأسرى المقاومين لا قيمة لهم طالما انهم عزل من السلطة او القوة داخل المعتقل.
على الجانب الآخر، تدرك الشعوب ان أؤلئك السجناء والاسرى، مهما طالت فترات اعتقالهم سيكونون، لا محالة يوما، وهم سيظلون ابدا أيقونات للحرية، وأمثلة للرجال والنساء الذين ستفتخر بهم أمتهم.  ان أجيال العراقيين المتعاقبة، ومنهم جيلنا أيضا سيختار من ابناء شعبنا المنتصر باذن الله في معارك الحرية، رجالا ونساءا من هؤلاء، فهم سادة العراق ونجوم حريته، ومنهم من سيكون أيضا ذلك الجزء  الهام من قادة البلاد المحررة مستقبلا.
ولهذا المثال وغيره تسجل العديد من الأمم تعابير وفاء ورموز امتنان عديدة لتعبر عن احترامها لأسراها واعتزازها وتمسكها بمصير مفقوديها والتقديس لشهدائها. وعندما تلجأ القوى الغاشمة الى تشويه سمعة الاحرار والمقاومين فانها ظلت واهمة لان حبل الاكاذيب سيبقى قصيراً، فمهما كانت التهم المفبركة اليوم ضدهم أو تلك التي وجهت ضدهم بالامس ستبدد امام اضواء الحقائق القادمة، خاصة وإن شعبنا قد خبر تاريخ الرجال والنسوة المجاهدين والمجاهدات في معرك الحرية والنضال الوطني والقومي، وهم من الصفوة الذين خاضوا الجهاد ضد الاحتلال ببسالة، وبإراداتهم حسمت المعارك الشرسة ضد المحتلين والطارئين على مسارات التاريخ الوطني. سيبقى شعبنا وفيا للصامدين في سجونهم ممن احتلوا أماكنهم الرائدة في تجارب الكفاح المسلح والنضال السياسي والاعتقال السجني، قدوة لشعبنا، كثوريين ووطنيين مقاومين.
في كل حركات التحرر الوطنية تقدم الوطنيون إلى واجهة المعارك المسلحة والسياسية من دون حسابات مسبقة لشخوصهم، والكثير منهم يعرف مُسبقاً إن الدروب إلى الحرية تعبدها جثامين الشهداء، وهي ليست مفروشة دائما بالورود والرياحين ، وليس هناك من ضمان الانتصار في كل مواجهة قد تبدو للبعض انها قد تكون ضربة حظ.
طريق الثورة عسير وشائك ومرير، وليس فيه من محطة سهلة أو مريحة تتيح للبعض الاسترخاء، وإن لم تتعمد الثورات والانتفاضات بالدماء الطاهرة، وتنشد لها الحناجر بهتافات النصر، وتسمع بزئيرها آذان الجلادين وبصرخات المعاناة في مجاهل المعتقلات توصل للطغاة صوت الشعب، فإن تلك الثورات تكون قد حسمت مسارها الى النصر.
والمناضلون من أجل الحرية، يدركون إحتمالية الوقوع في الأسر، ومواجهة المحاكم العسكرية والإستثنائية، وحتى انهم قد هيأوا أنفسهم، نفسيا ووجدانيا لسماع أحكام الإعدام ضدهم، أو إحتمال الاعتقال بالسجن المؤبد، لكنهم بتفائلهم الثوري يظلون منتظرين في كل لحظة لفجر الحرية، تلك اللحظة سيقررها شعبهم وجماهيرهم عند لحظة اشتعال الثورة وتصاعد المقاومة وصمود الانتفاضة الباسلة.
الاسرى والمعتقلين والسجناء، لأنهم من صنف القادة الوطنيين، فان سلطات الاحتلال والأنظمة الدكتاتورية والعميلة، غالبا ما تعزلهم في الزنازين، ظنا منها انها يمكن أن تقتلهم بالعزلة والاحباط واليأس، وتعمل على محاولة فصلهم عن قضاياهم العادلة المرتبطة بآلام شعوبهم؛ لذا تتعمد السلطات اهانتهم، والانتقاص من إنسانيتهم، ومحاولة النيل من بعض معنوياتهم، وقد تلجأ في احيان كثيرة الى وضعهم في سجون قد تضم مجرمين ومحكومين من ذوي السوابق العدلية لإجبارهم على التعايش مع اللصوص والسرُاق وعتاة المجرمين من المحكومين لقضايا جنائية أو فساد او قتل ؛ وبذلك تجعل سلطات القمع من هؤلاء الأبطال في الموقع الحرج وسط عالم من الإجرام والقتلة والشواذ، وهو أسلوب متعمد ورثه الجلادون من تعاليم جلاديهم وأسيادهم الغرباء.
وفي العراق يحاول الجلادون من خلال تلك الاساليب كسر روح المقاومة لدى هؤلاء الابطال من السجناء والأسرى الذين تناقلتهم السجون والمعتقلات الامريكية الى ايادي سجون العملاء من حكام المضبعة الخضراء .
في كل الحالات عبرت إرادات السجناء والمعتقلين والأسرى عن روح إنسانية عالية، حتى تجاه سجانيهم وجلاديهم وادارات سجونهم، عندما تكفلوا، بصبر يُحسدون عليه، حتى برعاية هؤلاء المجرمين من زملاء السجون، بهدف إصلاحهم، وتفهم دوافع إجرامهم، وتفهم سقوطهم في الرذائل وعالم الاجرام. وفي قاعات المحاكم وجلسات الاستجواب والتحقيق كانوا بصبرهم مثالا للمدرسة الاخلاقية التي تدين الجلاد وتشعره بقرب زوال أجله مهما بدى قويا او متماسكا او كصاحب سلطة.
تسجل الكثير من الحالات الرائعة في مدارس التجارب الثورية والنضالية في العالم كأمثلة للتضحية الانسانية من اجل الحرية، ومنها نستذكر مئآثر عراقية وعربية لا يمكن حصرها بمقالة عابرة  سلوكتصف السجين السياسي وحمله رسالة إنسانية أخرى تتجاوز ذاته وشخصه كفرد مرتهن في محنة الاعتقال القسرية، تلكم المواقف ستضاف الى دوره الثوري وكأنسان، له خصائص اخرى تتجاوز شجاعته ودوره وفعاليته، كمحرر، وقائد، ومرؤوس ايضا، خاصة عندما عمل الكثير من المناضلين والثوريين على كسر إرادة السجان وإحباط دوافعه ونوازعه الانتقامية ضد الآخرين ومن ثم هزيمته .
لقد عرف هؤلاء الثوريون الصامدون كيفية التعامل مع السجان وادارة السجون وكيفية مواجهة القضاة الفاسدين وفضح مؤسسات حقوق الانسان المزيفة. ورغم ان كل هؤلاء يبدون في موقع الادانة، لكنهم بنظر الفكر الثوري هم بشر ومواطنين من أبناء جلدتهم تعرضوا الى الانحراف وتشبعوا بالأحقاد، بحكم حصولهم   على وظيفة ساقطة كلفته بها سلطة قمعية، او ان بعضهم يحمل شحنة عداء للغير بتغذية طائفية او سياسية مغلوطة التوجه الانساني ، فحولته الى مجرما او جلادا في مؤسسة القمع.
لقد سجلت تجارب السجون والمعتقلات في كثير من البلدان، ومنها بلادنا، والحالات الكثيرة لثوار من دول العالم، أين واجهت المناضلين، ضحايا الاضطهاد، حالات إنسانية مشرفة لهم، أين عاملوا سجانيهم بتفهم ودراية كبيرة، وبسمو اخلاقي وإنساني عال، مهما كانت درجة حقد الآخر عليهم وتعبئته ضدهم. وفي حالات عديدة أعادوا جلاديهم وسجانيهم إلى محيطهم الإنساني كبشر قابلين للاصلاح، وفي حالات كثيرة أجبروهم، بإنسانيتهم السامية، على قبول الهزيمة، وإلى التراجع أمام تلك الشجاعة اللا متناهية التي يمتلكها الكثير من الأسرى والقادة السياسيين وحتى السجناء العاديين، ويتجسد الموقف بوضوح أكثر أمام أؤلئك القادة المؤمنين بحتمية انتصار الحرية والإنعتاق، لا لهم وحدهم، ولا لشعوبهم  فقط ؛ بل لتحرير حتى السجان والجلاد واعضاء المؤسسة القمعية، وإنقاذ هذه الفئات الموظفة في مؤسسة القمع الحكومي او الإحتلالي من مظالم السقوط الأخلاقي، كمجرمين إمتهنوا التعذيب والقسوة والابتذال الانساني بحق الآخرين.
في حالات عدة، نقرأ شذرات من تلك المذكرات الرائعة لمناضلين و ثوار، أو حتى لأشخاص آخرين أوقعتهم ظروفهم الوظيفية او المهنية أو السياسية المتطرفة للعمل في إدارات السجون وفي وزارات العدل والمحاكم ولجان التحقيق، فنجد في نصوصهم، بعد صحوتهم، اعترافات هامة ذات قيمة إنسانية هامة، وفي بعضها امتلكت نصوصهم شجاعة بالإعتراف بالفعل  المدان، وترك الاحكام للتاريخ وللمستقبل ايضا بحق شهاداتهم تلك، وفي بعضها قرأنا انها كانت تمتلئ بالندم الكبير عن أفعال شانئة قام بها اصحابها ضد السجناء والمعتقلين، ومنهم من حاول التنصل عن المسؤولية الجرمية او الاخلاقية بطريقة او اخرى، ومنهم من لاذ ببعض الأعذار لنفسه او لغيره او لمؤسسته، خاصة بعد غياب الشهود والتوثيق وقرائن الادانة الكاملة.
مذكرات الجلادين ذات قيمة نفسية واجتماعية وسياسية خاصة، خاصة إذا ما كتبها اصحابها بصدق وموضوعية كشهادة للتاريخ بعيدا عن الضغوط والإملاءات الخارجية عليهم ، قرأنا لبعضهم  وهم يتذكرون تلك السنوات السوداء التي قضوها في اعمالهم ووظائفهم كجلادين او اداريين لمؤسسات القمع في ظرف ما.  ومنهم من توغل يوما في ممارسة التعذيب واستعمال القسوة مع ضحايا الاعتقال السياسي ، ومنهم من  اعترف انه عمل في خدمة الاحتلال الاجنبي لبلاده فكان خائنا بامتياز  او هناك من عمل ضمن اجهزة النظام السياسي القمعي الذي جنده بقناعة او  كموظف مجند لإتمام مهمة معينة في مؤسسة القمع الحكومية التي طالما حملت عناوين من مثل "دار العدالة" او "دار القضاء" او "مؤسسة اعادة التربية" او "مؤسسة الاصلاح" .... الخ. وغيرها من المسميات المعاصرة التي تتحاشى ذكر اسم "سجن" او "معتقل" او "مركز تحقيق" ... الخ.
القليل منهم من تحلى بالشجاعة وتحمل مسؤوليته الاخلاقية الكاملة عن ممارساته واعترافه بقبوله الانخراط الطوعي في خدمة أحط الوظائف التي تحتقرها الانسانية جمعاء واكتسب وظيفة مموهة بعنوان ما في سلم الوظيفة لكنها في كل الاحوال لن تكون سوى وظيفة  " جلاد"   وهي الوظيفة التي تمكن صاحبها من ممارسة التعذيب من دون عقاب، وتسمح له العمل على إدانة الابرياء عن طريق انتزاع المعلومات بوسائل العنف غير المبرر، ليذيل تقاريرها بصفته الوظيفية ، شرطيا، رجل أمن، محقق عدلي، ضابط، قاضي، ... الخ.
عندما نراجع مذكرات بعض أؤلئك الجلادين النادمين عن أفعالهم المشينة، خاصة ضد الصفوة الثورية من أبناء الامم الأُخرى، ممن رفضوا الاحتلال والاستكانة لشروط الإلغاء الاستعماري لكرامة شعوبهم التي طالما سعت اليها إدارات الاحتلال ومعاونيهم من الخونة الاجانب والمحليين، لفرض الاستسلام على الخصم المقاوم العنيد فالغاية من ذلك استخلاص العبر منها.
وعرض مثل تلك الحالات هي تذكرة وعبرة قد يستفيد منها البعض عندما تحين لحظة تنفيذ العدالة الانتقالية ومحاسبة كل انسان لنفسه وغيره على ضوء القانون الانساني عندما تحين  لحظة انتصار شعب العراق وتمكن احراره من استعادة حريته واستقلال بلادنا ، ليأخذ كل  هؤلاء وهؤلاء حقوقهم أو عقابهم لشرور افعالهم.
لقد بات ذلك الجزء المقيت من تلك الافعال في خانة العار الانساني الذي باتت تخجل منه الامم والشعوب التي مارست نخبها وقواتها وجلاديها الفعل المشين بحق الغير من خلال القمع والتعذيب المقنن.
لا نظن ان احدا من ابناء وأحفاد الجستابو الألماني الهتلري، ومحققي سجون الـ   كا جي  بي ، وضباط استجواب المخابرات الامريكية والموساد الصهيوني ومن أدار تحقيقات سجن غوانتانامو او التعذيب في سجن ابي غريب او بوكا ، وكل من شارك  في اعمال لجان التحقيق في الكثير من سجون الانظمة العربية، وحتى من تجند جلادا وقاتلا في صفوف المليشيات السياسية والطائفية في هذا البلذد او ذاك، لا نظن ان احدا من الابناء والاحفاد لهؤلاء سيفتخر يوما بوظيفة ابيه او مكانة جده الاجتماعية او السياسية او الوظيفية، يكفي العار له ان  كان عنوانه السابق جلاد أو سجان،  او ضابط تحقيق او عمل كمخبر سري ، وكان من كتاب التقارير والوشايات الكيدية ضد الاخرين، أو حتى من عمل محققا قضائيا  فزور الحقائق واحترف انتزاع الاعترافات المفبركة وإملائها على الضحايا وفق هواه ومقاصده ومقاصد قادته .
لقد بات العار أبديا بحق كل هؤلاء وهم أورثوه وسيرثوه الى أبنائهم وعوائلهم وعشائرهم وأحفادهم وحتى لبلدانهم عندما تكون مؤسساتهم خادمة لاحتلال اجنبي لبلد آخر او لسطات حاكم جائر وعميل.
قد تبدو للبعض من هؤلاء الجلادين لحظتها أن السجين أو الأسير الأعزل بايديهم سيكون في موقع الضعف والعزلة والنسيان طالما انه في مجاهل الاعتقال لحظتها عندهم.
وقد تبدو لبعض الجلادين ان مراكزهم هي السلطة المقررة لحياة إنسان او تصفيته من الوجود، وقد تبدو الضحية المعذبة في نظر الجلاد ضعيفة أو معزولة عن العالم طالما انها متواجدة في زنزانة او معتقل نائي عن الناس.
الجلاد سيبقى مهزوزا في اعماقه طالما انه يقف أمام ضحاياه العزل وهو  المدجج بالسلاح، والمتمترس في قلاع السجون والمعتقلات، وتحرسه وحدات مدربة محتمية بكلابها المدربة، ومعه كل تلك الوسائل الخاصة التي تحترف الإيذاء الجسدي والمعنوي للسجين، ويتعامل مع النصوص القانونية كأدوات للتجريم والإسقاط العمدي للغير في تهم جاهزة ومعدة على المقاس المطلوب.
مثل تلك الملاحظات والوهم الذي عاشه كل الجلادين كثيراً ما يسقط ويتراجع أمام الحقائق الصادمة التي أفرزتها مواقف وتجارب المناضلين الصلبين، وحفظتها للناس مذكراتهم وكتابة ايام معاناتهم التي باتت دروسا هامة من صفحات التاريخ الانساني لكل عشاق الحرية.
إذا ما عرفنا الكثير من الأمثلة التي تعيد المواجهة بين المعتقل والسجين وجلاده  إلى الاتجاه المعاكس تماما، فهؤلاء الأسرى يتصفون أولا بالشجاعة والايمان بقضاياهم، وبقدرات لاحدود لها من الصبر والذكاء والفطنة والتسلح بالإرادة والصمود، وحتى بإمكانيات النجاح في إدارة التنظيمات الثورية، والارتباط مع بقية المناضلين الآخرين داخل وخارج السجن.
وعندما تنضج ظروف التنظيم الناجح بين المناضلين في السجن الواحد او عبر مجموعة من السجون والمعتقلات تبدأ معارك الاحتجاجات ضد المظالم والتعذيب والمعاملة اللا إنسانية، تبدأ اغلب الحالات برفع المذكرات والاتصال بالمنظمات الحقوقية والمحامين، وبعدها الشروع بتنظيم الإضرابات والتعبير عنها بأشكال وصيغ عدة، وصولا الى الاضراب عن الطعام ، كحالة تحدي قصوى بمقابلة القمع السلطوي بوسيلة الجوع والاستعداد للموت وطلب الشهادة، لفضح سلوكيات السجانين وإدارات المؤسسات العقابية التي تُسير تلك السجون، وبالتالي فضح الانظمة وسلطات الاحتلال وتعرية مقاصدهم من صيرورة القمع المسلط على الجماهير او الاسرى.
يكرر وزير العدل الفرنسي الأسبق إدمون ميشليه، الذي استوزره الجنرال ديغول خلال السنوات الاخيرة للاحتلال الفرنسي للجزائر، أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، إعجابه بقدرة جبهة التحرير الوطني الجزائرية ورجالها على تنظيم مناضليها، والاتصال بأسراها ، وهم في أعماق مجاهل السجون الفرنسية الرهيبة.
ويعترف الوزير بإعجاب عن تلك القدرة لهؤلاء المناضلين والمجاهدين الجزائريين، ويندهش امام قدرة النجاح لجبهة التحرير الوطني الجزائرية ومناضليها على تنظيم مواطنيها، سواء داخل الجزائر المحتلة او في بلدان المتروبول،  [ داخل فرنسا]، وحتى على الجهة الأخرى من المتوسط، ويعترف ذلك الوزير بنجاح الثورة الجزائرية بفضل قدرة قيادتها على ربط المناضلين احرارا كانوا او معتقلين ودفعهم الى الانخراط في تنظيمات الثورة على كل المستويات وحيثما توفر التنظيم والقادة المبدعين في التنسيق والارتباط، والتكيف على مواجهة كل الظروف والاحتمالات التي يفرضها الالتزام الثوري للوصول بقضية التحرير الى الانتصار النهائي ونجاح الثورة.
وبهذا عبر الوزير الفرنسي عن تجربته وإستخلاصاته من ايام عمله ووظيفته وخبرات مهامه كمشرف عام على السجون الفرنسية المحتشدة بالأسرى والمجاهدين الجزائريين،  فيتوصل إدمون ميشليه إلى الحقيقة الثابتة التالية : إن تلك القدرة التنظيمية العالية لجبهة التحرير الوطني الجزائرية كانت تحمل سر الانتصار التالي الذي حققه المناضلون الجزائريون بتحرير بلدهم بعد استعمار دام 132 عاما.
وهنا اجد من القيمة والاعتزاز أن أسرد ذكر مثل هذه الامثلة الرائعة لثوار وقادة الجزائر لتصل معانيها الى ثوار واسرى العراق وهم في سجونهم الرهيبة منذ قرابة عشر سنوات. وهي في ذات الوقت تذكرة للجلادين القدامى والجدد الذين يتحدثون عن مظلومياتهم وينسون جسامة مظالمهم المرعبة والجارية فصولها اليوم في العراق.
ورغم أن الرجل الفرنسي، إدمون ميشليه ، الذي سبق له أن كان مناضلا صلبا من اجل استعادة حرية فرنسا وكان سجينا في ظروف الاحتلال النازي لبلاده، لكنه حين تناسى كل دروس الحرية تلك بحكم الوظيفة التي كلفه بها ديغول حين ظن أن التجارب الثورية للشعوب قد تختلف من حالة إلى أخرى، وحينها قبل مهمة الاشراف على وزارة العدل الفرنسية التي كانت شغلها الشاغل مطاردة وسجن احرار الجزائر المجاهديم من اجل الحرية وطرد الاحتلال الفرنسي، وهو عندما تقلد وظيفة تسيير المظالم في وزارة العدل الفرنسية، وجد أنه لا يمكن ان يكون للعدل فيها موقعا ؛ طالما ان دولته الفرنسية كانت تمارس الاحتلال والقمع والاستباحة لبلد وشعب في الجزائر الذي ظل يطالب بالحرية والاستقلال طوال 132 سنة من العهد الاستعماري والاحتلال البغيض.
وكمثقف واجه إدمون ميشليه، اكثر من سؤال ملح حول وضعه ودوره ووظيفته ؟ لكنه كان ايضا من القلائل الذين أدركوا بفطنة وذكاء استحالة تحقيق عدل في ظل سلطات الإحتلال لبلد ظل يغتصب حقوق بلد وشعب آخر ويسعى الى إلغاء هويته واستلاب حريته بل حتى اجتثاث وجوده الانساني ، لكنه رغم كل ذلك قبل المهمة التي كلفه بها الجنرال ديغول، كما يقول، وهي مهمة تسيير وزارة العدل وسجونها والإشراف على لجان تحقيقها، فوجد نفسه أمام السؤال المحير الذي عاشه يوما عندما كان سجينا عند الألمان، عندما كان مقاوما يطالب بتحرير فرنسا من الاحتلال النازي.
اعاد إدمون ميشليه السؤال على نفسه مرة اخرى، وهو بمكانة وزير: من هم هؤلاء السجناء من الجزائريين الذين يقفون أمامه ؟، وظل يتابع الاسئلة والاجوبة عنها تباعا وهو يطلع على ما يصل الى مكتبه من تقارير السجون والمعتقلات التي تزدحم بعشرات الالوف من هؤلاء المقاومين الجزائريين، اهتم بشكل خاص بملفات القادة والأسرى وتصرفاتهم ومطالبهم وحاول ان يتفهم عمق توجهاتهم كمناضلين من اجل الحرية .
وفي لحظة شجاعة ومراجعة مع الذات، وأمام تلك الاسئلة حول: من هم هؤلاء السجناء  الصامدين في زنازين سجون فرنسا؟  أجاب في قرارة نفسه :  هؤلاء هم قادة دولة الغد للجزائر المحررة.
وأجاب أيضا على نفسه كمسؤول : لا يمكن لأي سبب من الاسباب قبول إهانتهم بالتعذيب وانتزاع الإعترافات منهم بطريقة مخجلة؛ لان الغد يبشر بالانتصار لهم ، ومهما طالت ليالي الإحتلال، وتراكمت عذابات الأسر، وطال البعد لهم عن الأهل والأوطان، فإنهم سيكونون هم الاحرار، والاحتلال الفرنسي سيذهب الى زوال لا محالة.
مرت أمام ذلك الوزير الفرنسي ملفات العديد من قادة الدولة الجزائرية الحالية، ممن كانوا في الأسر الفرنسي، واليوم منهم يتذكر الكثيرون تلك العذابات والمعاناة الاليمة القاسية لهم عندما كانوا في الأسر الفرنسي لسنوات طويلة ، منهم الكثير من قادة جبهة التحرير والثورة الجزائرية ، كان منهم الرئيس الراحل احمد بن بله والمناضلين محمد بو ضياف وحسين آيت احمد ورابح بيطاط ومحمد خيضر ومصطفى الأشرف الذين خطفتهم القوات الفرنسية في أول قرصنة جوية يسجلها التاريخ المعاصر، عندما تم اجبار انزال طائرتهم المدنية على النزول بالقوة المسلحة في الاجواء الجزائرية فتم انوال طائرتهم  ومن ثم اعتقالهم ومحاكمتهم .
وغيرهم هناك الالوف من الشهداء والمجاهدين، وهم كثيرون، منهم من رحلوا الى جوار ربهم، ومنهم لم يكتبوا بعد وصفا لمعاناتهم وحالات تعذيبهم على يد الجلادين الفرنسيين . لا يمكن أبدا أن تحصى حالاتهم وتعداد سني اعتقالهم وحجم معاناتهم وما تعرضوا له من طرائق التعذيب التي باتت تخجل مجد فرنسا الاستعمارية اليوم وغدا مهما طال الزمن.
عندما لجأت لجان التحقيق انتزاع اعترافاتهم أو محاولة إسقاطهم سياسيا ونضاليا في دولة صدعت أسماع العالم بشعارات الثورة الفرنسية . [المساواة والاخوة والديمقراطية] ، كان هناك جزء من النخبة الفرنسية المثقفة وعلى رأسهم المفكر جان بول سارتر وسيمون دي برفوار يصرخون بوجه الالة العسكرية الفرنسية لا  للعار، لا للقمع، لا للجزائر فرنسية، الحرية لشعب الجزائر، يسقط الجلادون .وانتقلت الشعارات من الهمس الى الصحف الى التظاهرات في شوارع باريس.
في ذات الوقت وفي داخل السجون الفرنسية عرف القادة الجزائريون كيف يتواصلون مع قواعدهم الثورية ومع شعبهم داخل وخارج السجون ، كانوا مؤمنين بثقة، رغم ثقل الاحكام الاستثنائية ضدهم، كانوا مؤمنين بأنهم منتصرين لا محالة، وظلوا يجاهدون بروح التفاؤل الثوري مهما كانت ظروف اعتقالهم، فهم قدوة شعب الجزائر وهم سيبقون أؤلئك المناضلين السياسيين والثوريين والقادة الثابتين على مبادئهم، ولهم قضية وطنية واحدة، يجب ان يعرفها العالم كله عبر أمثلة صمودهم، هي استكمال مسيرة التحرير وانتزاع النصر من المحتل بأي ثمن، وبكل الوسائل الممكنة، بما فيها  النضال الصلب من داخل السجون والمحتشدات والمعتقلات والنفي البعيد.
كانت الأحداث السجنية، ومنها إضرابات الجوع والانقطاع عن تناول الطعام وحتى الدواء، الشغل الشاغل للرأي العام الذي بات يتابع اخبارهم، وكانت اضراباتهم واحتجاجاتهم ومواقفهم امام المحاكم العسكرية وفضحهم للاحتلال مهمة كل واحد منهم وصارت واحدة من اهم وسائل الكفاح الثوري المجيد للشعب الجزائري كله،  ورغم انهم عاشوا في ظروف لا تكافؤ فيها ، لا يمكن المقارنة ابدا بين حال الضحية واحوال جلاديه، لكنها المواجهة البطولية التي كانت إحدى الوسائل التي قادت الى الانتصار وفضح التعذيب، وتعرية سلطاته أخلاقيا، وأضحت وسيلة نضالية معتمدة بفضلها  تم اسماع العالم بقضية شعبهم وحقوقه من اجل الحرية وهكذا تعلموا كيف ينشروا أخبار معاناتهم إلى العالم القريب والبعيد، ومن اهداف فعالياتهم السجنية هو تحريك الوعي لدى أسرهم وشعوبهم وشعوب الآخر ، كانت اخبار إضرابات الجوع تصل في تأثيراتها حتى إلى جبهة سكان النظام الاستعماري ومجتمعاته ونخبه الفكرية والسياسية وتحدث صدمة  لديهم وتعميق الشعور عندهم  بالعار والخزي، مدرسة الجهاد الجزائري من داخل السجون والمعتقلات الفرنسية باتت تقليدا ثوريا  لكل أحرار العالم في الاسر، عندما يلحقهم الأذى في ظروف الاعتقال القسري.
من هنا صارت أخبار صمود المعتقلين والاسرى وتدهور صحتهم والتزامهم القرار والتضامن مع بقية زملائهم تحتل موقع الصدارة في التضامن الانساني لكسب التعاطف معهم وضمان ديمومة التضامن الوطني والعالمي لهم ، التضامن  معهم لا كسجناء فقط ؛ بل كمناضلين ومجاهدين يسهمون، وهم في الزنازين في كفاح شعبهم الجاثم تحت الاحتلال ببطون خاوية.
كانت جبهة العدو العسكرية والسياسية تخشى أن تفضحها إرادة السجناء والأسرى والمعتقلين، فتحاول التكتم على ممارساتها القمعية من جهة وتجرب وسائل قمع اخرى، لذا كانت تسعى بكل الوسائل الى تكميم الأفواه والى محاولات تشتيت تنظيمات المناضلين والثوريين والأسرى وعزل قياداتهم وطلائعهم الواعية وتشتيت تجمعاتهم باعادة توزيعهم على سجون اخرى اكثر قسوة واشد عزلة او غربة على السجين، لكن مثل تلك القضايا كانت تواجه جدارا صلبا من الإرادات المؤمنة بالانتصار، التي لم يحسب لها السجانون حسابا عند بداية أي إضراب معلن من قبل السجناء، وسرعان ما تكون تلك الاحداث مصدر احراج وحساسية شديدة للسلطات القمعية ونخبها السياسية ، تبدأ ردود الافعال القمعية بالتصاعد مع ظهور ابسط المطالب الانسانية للسجناء؛ لكنها في النهاية ستتراجع صاغرة أمام استمرار إراداتهم وصمودهم، وهم يقدمون حياتهم مقابل الخلاص من عذابات العدو ومحاولته قهرهم في السجون كانوا يقدمون دروسا في التضحية من أجل الحرية لغيرهم.
إن صدى صمود السجناء في العراق وفلسطين وغوانتانامو وسجون الانظمة القمعية في كل انحاء العالم المكافح سيظل مدرسة للحرية ويضيف الى تقاليدها وتجاربها الانسانية الشئ الكثير، فلكل شعب يحترم تاريخ كفاحه من اجل الخلاص من الذل والقهر والاستبداد ذكريات خالدة عن صمود ابطاله وابنائه في الاسر والاعتقال. وان صرخة الحرية في أي سجن ستخاطب العالم الحر كله ، وغالبا ما تكسر قانون الصمت وحديد الزنازين  ووحشتها و صلافة جلاديها.
من السجناء القليل، ممن أُتيحت لهم الفرصة فكتب ونشر تجربته النضالية ، ومنهم من تمكن أن يعبر عن إرادته في المقاومة على جبهة فضح الجلادين اينما كانوا ، لإلحاق الهزيمة في صفوف أعداء الحرية وفضح السلطات الغاشمة في كل مكان. لدينا تجربة هامة للمناضل الجزائري الراحل بشير بو معزة حين كتب عن تجربته في كسر قانون الصمت الإستعماري، وهو الذي قاد ونظم يوماً عددا من الإضرابات البطولية للقادة الجزائريين المحتجزين داخل السجون الفرنسية وعلى الاراضي الفرنسية،  من هناك وعلى ارض فرنسا الاستعمارية عبر البحر المتوسط، وقف بومعزة صامدا و معه  لبوا  نداءه  كل مناضلي الثورة الجزائرية، قيادة وقواعد، داخل وخارج الجزائر.
المجاهد الثائر الراحل بشير بو معزة، كان المسؤول السابق في فيدرالية جبهة التحرير الوطني في فرنسا. كتب عن إضراب معتقلي جبهة التحرير الوطني المسجونين في معتقل قرين، وعندما ازداد قمع السلطات الاستعمارية على  المجاهدين في السجون اهتدى بشير بو معزة إلى أن الإضراب عن الطعام داخل سجن قرين وسيلة هامة سيهزم بها جبروت فرنسا الاستعمارية في عقر دارها. وسلطت فرنسا الاستعمارية لم تستوعب الدرس حين ظنت ، بعد عجزها قهرهم بوسائل التعذيب وتنفيذ احكام الإعدام، ظنت أنها ستهزم إرادة المعتقلين الجزائريين بالترهيب داخل السجون، مهددة إياهم بالموت البطئ، فأظهرت السلطات الفرنسية الغاشمة أولاً حالة اللامبالاة تجاه وضعهم الإنساني والصحي المتدهور، وهم يقتربون من لحظة الموت جوعا ببطون خاوية بعد اعلانهم الاضراب عن الطعام.
وبذلك كشفت تلك الدولة التي كانت ترفع شعارات الديمقراطية والحرية والمساواة عن حقيقة دوافعها الاستعمارية والإحتلالية للجزائر. وهي التي كانت تضم الجزائر الى امبراطوريتها وتعلن للعالم ان جميع المواطنين الفرنسيين متساوون امام القانون، بما فيهم الجزائريين، كانت تمارس في ذات الوقت الانتقام المبرمج وهي تشاهد أحرار الجزائر من المعتقلين يتساقطون الواحد تلو الآخر في زنازينهم ، بتأثير الجوع والعطش والآلام  والأمراض الأخرى. تلك صورة  اللا عدالة الفرنسية الحقيقية بدأت تتكشف حتى بالنسبة للفرنسيين العاديين.
وبمرور ايم الاضرابات البطولية بدى لقادة فرنسا ان يعيدوا على أنفسهم كيفية تعلم الدرس الجزائري، وان تعيد تهذيب نزوات رجال وإدارات سجونها، لذلك توصلت الى الخلاصة المرة التي كان على شارل ديغول ورجال سلطته القائلة بوضوح:  أنها كلما حاولتم كسر الإضراب عن الطعام وتفتيت تنظيمات المضربين وعزلهم عن بعضهم البعض، زادتهم ممارساتها قوة وصلابة وإرادة اكبر لانتزاع النصر لهم ولبلادهم وراء المتوسط.
من صفحات مذكرات احدهم: في احد المرات، وفي عهد الوزير إدمون ميشليه، وكما يسجل مستشاره آنذاك، الاعلامي والسياسي الفرنسي المعروف إرفيه بورج،  في كتابه " ذاكرة عصر" ننقل ما يلي : سارع السجانون إلى قطع المياه عن المعتقلين الممتنعين عن تناول الطعام ، فيما وزعت ادارات السجون الحليب عليهم، كانت الفكرة لدى السجانين: أن المعتقلين عندما يشربون الحليب بدل الماء،  فإنهم سيتغذون، وسيفشل إضرابهم عن الطعام؛ لكن المعتقلين والأسرى الجزائريين لم ينخدعوا بتلك المحاولة، فطنوا اليها وواصلوا الاضراب رغم قسوة الالام المبرحة في بطونهم الخاوية والعطشى، رغم ذلك رفضوا إطفاء عطشهم بالحليب المتوفر في الزنازين، واستمروا على اضراب الجوع، وهم يدركون إن فقدان السوائل تدريجيا من أجساد المضربين سيقود إلى هلاكهم وبسرعة.
وعندما أدركت السلطات الاستعمارية الفشل بعد كل تلك المحاولات، سارعت بإطلاق الماء إلى الحنفيات. وتلك معركة سجلها  بشير بو معزة، ووردت في كتابات العديد من المنصفين الفرنسيين، ومنهم  بيار هنري سيمون  في صرخته وموقفه الرائع خلال  كتابه " ضد التعذيب"،  الصادر من دار نشر لوسوي  بباريس 1957، وكتاب الصحافي المعتقل والمُعذب هنري أليغ،  المعنون " الإستجواب " الصادر بباريس في عام 1957.
بعدها قام بشير بومعزة بفضح التعذيب في الجزائر في كتابه الصادر بالفرنسية الذي عنونه "الغرغرينة"، مستندا إلى التحقيقات التي جرت معه شخصيا فاضحا جرائم الاستعمار ضد الاحرار الجزائريين . وهي من الشهادات الانسانية الرائعة.
كتاب القائد الراحل بشير بومعزة سيظل وثيقة هامة ودامغة تكشف العار الاستعماري وهمجيته ومحاولاته  تصفية المناضلين وتعذيبهم. حينها فقد بشير بو معزة كل أسنانه على اثر الحرمان الطويل من الطعام الذي فرضه على نفسه، في إطار مشاركته في تلك الإضرابات الباسلة والامتناع عن الطعام والتزامه بالقرار تلبية للنداء الذي أطلقه من اجل الحرية وحقوق المعتقلين وهو المعتقل على الاراضي الفرنسية، ووصل صداه حتى الى السجون الفرنسية في الجزائر عبر البحر لوقف صلافة ادارات السجون وفضح لجان تحقيقها وقسوة ممارسات التعذيب.
رغم معاناته الصحية المتعبة، وانهيار صحته، وهزاله الجسدي الذي لازمه لعقود طويلة حتى وفاته في الجزائر قبل سنوات، تمكن بشير بومعزة، وبإرادة حديدية من الهرب من سجن قرين الرهيب.  يروي عنه الكاتب الفرنسي "ارفيه بورج"  في مذكراته " ذاكرة عصر" :  وكان الكاتب في حينها مستشارا في ادارة السجون، وقد كلفه وزير العدل الفرنسي بمتابعة اوضاع السجناء الجزائريين لدى مكتب وزارة العدل ، فيعترف إرفيه بورج هنا أيضا:  انه تعلم كثيراً من تجاربهم ، وتوصل منذ نهاية الخمسينيات: إن هؤلاء السجناء والأسرى سيكونون هم قادة المستقبل في الجزائر المستقلة، وعلى ضوء تلك العلاقة المحترمة التي مارسها داخل السجن معهم ، كان إرفيه بورج يرسم مستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية مستقبلاً.
وبعد نيل الجزائر استقلالها في الخامس من تموز/ جويليه 1962 حظي إرفيه بورج باحترام قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية وقيادة الجمهورية الجزائرية المستقلة، وتم استدعائه حالا للعمل في إدارات الدولة الجزائرية الفتية في اول حكومة لها، وفاء من الجزائر للموقف الذي وقفه ارفيه بورج، كمثقف  ومسؤول فرنسي  عمل في احدى الادارات الفرنسية المعنية بالسجون، اين تواصل هناك مع احرار الجزائر خلال فترة سجنهم بفرنسا.
بعد إعلان الاستقلال مباشرة صار إرفيه بورج من أقرب الشخصيات العاملة في مكتب أول رئيس للجمهورية الجزائرية صيف 1962،  أين عمل في مكتب الرئاسة الجزائرية بجانب الرئيس الراحل احمد بن بله، عمل مستشارا له، وتم تكليفه بعديد المهام الوطنية والدولية، وانتقل بعدها ليكون من اقرب مساعدي أول وزير للشباب والرياضة في اول حكومة بعد الاستقلال، كان يقودها آنذاك الرئيس الحالي عبد العزيز بو تفليقة، ومن ثم التحق بوزارة الإقتصاد، ليعمل جنبا إلى جنب مع بشير بو معزة، لفترة، حتى لحظة مغادرته الجزائر حينها بعد أن انشق بو معزة عن القيادة وسافر الى خارج الجزائر بعد استيزاره لفترة معينة.
ظل إرفيه بورج وعديد من كتاب وممثلي اليسار الفرنسي ممن رفضوا التعذيب والإساءة لأحرار الجزائر اصدقاء للشعب الجزائري، ولا زالت الجزائر وشعبها تكن لهم كل الاحترام والتقدير حتى اليوم، وعلى مر الأجيال.
من شهادة إرفيه بورج في كتابه " ذاكرة عصر" يشير بورج إلى بعض من  ذكريات القادة الجزائريين واحاديثهم عن سجانيهم وعن أماكن إعتقالهم، وما عاناه البعض منهم من صنوف التعذيب، ومنهم  بشير بو معزة، الذي عاد من منفاه الى الجزائر بعد اغتراب طويل،  عاد وأسس جمعية 8 ماي 1945، ونشط في الدفاع عن القضية الفلسطينية، واستنكر الحرب على العراق وتجند بكل طاقته للدفاع عن العراق وكان صديقا مقربا من القيادة العراقية ومن الرئيس الراحل صدام حسين، تردد على بغداد وزارها عشرات المرات من اجل الوقوف بجانب الشعب العراقي حاملا ما يمكن تقديمه من مواد غذائية وادوية ومترأسا العديد من الوفود.
كافح بشير بومعزة الى آخر لحظة في حياته من أجل رفع الحصار الظالم ضد الشعب العراقي، ونشط طوال سنوات الحصار على العراق من خلال حضوره المميز في المحافل الدولية والحوارات مع النخب الاوربية وكان بارزا في كتاباته وندواته ومحاضراته داخل الجزائر وخارجها من اجل رفع الحيف عن شعب العراق.
ظل بشير بومعزة وفيا للحرية وللأحرار في كل مكان حتى رحيله عن هذه الدنيا الفانية قبل سنوات. وفي عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أصبح  بشير بومعزة  رئيسا لمجلس الأمة، وهو ثاني موقع هام في قيادة الدولة الجزائرية، وخلال تلك الفترة زار بشير بومعزة باريس في ماي من عام 2000 ، قبل شهر من زيارة الرئيس بو تفليقة الى باريس. هناك قال بومعزة، وعلى رؤوس الأشهاد، في حفل رسمي مهيب أقامه على شرفه "جان بيير شوفينمان" وزير الدفاع الفرنسي الاسبق، وبالقرب من ساحة بوفو بباريس، وخلال حفل العشاء كان ارفيه بورج مشاركا فيه ويجلس الى جانبه قال بو معزة مؤشرا للمكان القريب من ذلك الحفل: قبل أكثر من 40 عاما، جرى تعذيبي في هذا المكان من قبل مديرية الأمن الوطني الفرنسي [DST]. قالها وهو حر ومسؤول كبير في قيادة الدولة الجزائرية. سمعها الفرنسيون فصمتوا أمام تاريخ المخازي والعار الاستعماري. لقد انتصرت الحرية رغم كل القوة الاستعمارية.  
وذلك هو حكم العدالة الذي ينتظر كل مناضل وسجين سياسي ومقاوم وأسير. هو الحكم المنتظر والمحتوم يوما لكل أحرار العراق، كما صبرت الاقدار وتم الانتصار لاؤلئك الاسرى المجاهدين في ثورة الجزائر، فكانوا هناك يوما مناضلين صامدين، وبعدها اصبحوا رجال دولة، وقادة مجتمع ، كانوا بالامس يواجهون جلاد الاستعمار وزبانية التعذيب في الاسر، وهم اليوم يذكرون بمعاناة شعبهم والماضي الاستعماري البغيض، هاهم احرار يقودون، دولة مستقلة، سيدة وحرة وقدوة.
كم هي الحالات التي يعيشها اليوم سجناء وأسرى العراق وفلسطين في سجون متماثلة في كل شئ لاقرانهم مجاهدي ثورة الجزائر، وهم خلف الزنازين يعتصرون الإرادة من آلام معدهم وبطونهم الخاوية، الاخبار التي وصلت منذ أشهر عن انتصار جزئي حققه الابطال من الأسرى الفلسطينيين،  وبالامس القريب تحولت اضراباتهم عن الطعام الى انتفاضة عارمة التحق اليها ابناء فلسطين في الضفة والقطاع، حيث حولت جماهير شعبهم قضيتهم في السجون الى قضية واحدة ومصير واحد في داخل السجون وخارجها ليكون الشعب الفلسطيني واحدا يدين بالوفاء الى قادته الاسرى والمسجونين ظلما في سجون الاحتلال الصهيوني.
السجناء الفلسطينيون ومثلهم الاسرى العراقيون هم ألامثلة الناصعة والقدوة الثورية للتضحية من اجل الحرية، وهم  يسطرون أمامنا ملحمة من ملاحم الحرية والانعتاق في عراق المقاومة والانتفاضة الوطنية، وهم يشدون بآلامهم تلاحم أبناء شعبهم العراقي خارج أسوار السجون في المدن المسبية بآثام العملاء والمرتزقة، وها هي ساحات العز والكرامة في الانبار ونينوى وصلاح الدين وسامراء تمتد الى الناصرية وواسط وبغداد والبصرة اين تنتفض الجماهير وتتوسع في جموعها يوما بعد يوم.
وبصمود الاسرى والمعتقلين وبتحول قضية منتهان كرامتهم والاعتداء على ماجدات العراق الى نخوة واستجابة للتحدي والصمود، فهم خلف زنازين القمع يؤججون بنا مشاعر الفخر والاعتزاز ويدعوننا الى الالتحاق بانتفاضات شعبنا وامتنا الصابرة المكابرة على جراحها، وهم بصمودهم الاسطوري يفضحون ديمقراطية المالكي ودعوات عملاء الاحتلال الامريكي في العراق الى ما يسمى " العملية السياسية".
هذه الديمقراطية المغطاة بقانون الصمت والموت والقمع والجريمة المنظمة والتي تفرضه الرعب اليومي وتكميم الافواه لن تستر فضائح الجلادين والطائفيين وافعالهم الخرقاء في السجون والزنازين العراقية وهم  يكررون دروس اسيادهم في القمع الإسرائيلي والايراني بحماية واغطية أمريكية.
هؤلاء الجلادون الجدد المتسلطون على حكم العراق من الذين تاجروا بمظلوميات الشعب ومطالب غيرهم، مثلهم مثل كل الصهاينة الذين ابتذلوا يوما عذابات غيرهم من يهود المانيا وتاجروا بها لعقود وحولوا قصص معانات الشعوب في السجون النازية والفاشية الى قوانين ترهيب باسم " معاداة السامية" او " انكار الهولوكوست" والادعاء بحقهم تمثيل غيرهم حصريا للتمكن من الانتقام من الغير واشباههم اليوم عديدون من امثال تجار المظلوميات الطائفية في العراق يكشفون عن جهلهم لحقائق التاريخ المخلد لأبطال المقاومات الوطنية وحتمية انتصار مقاومة وانتفاضة الشعب العراقي، طال الزمن أم قصر.
ظلت رغبة الانتقام لدى الصهاينة وحلفائهم في المنطقة وهي رغبة حمقاء وعمياء وحاقدة وقاصرة عن رؤية دروس التاريخ العراقي والانساني، فهم يمارسون عبر السجون الممتدة من القدس الى بغداد الى طهران، وبتعاون وتنسيق مع قوات الاحتلال الامريكي الانتقام من العراق المقاوم واحراره، تجدهم اين تحل في كل السجون والمعتقلات التي فتحها الامريكيون وخلفائهم متمدرسين في صفوف الخبرات الصهيونية في ممارسة التعذيب وتدمير حياة الانسان والمجتمعات.
في تلك المعتقلات المنتشرة بارجاء العراق تحل ممارسة الشرور بوجه الحقوق ويجري التعامل مع الخصم  من دون فروسية او رجولة او شهامة تليق بالبشر، وتندفع الغرائز البوهيمية والسادية  المتدنية والمنحطة نحو القتل والذبح والتفجير  مقترنة بدوافع من الإنتقام  والإبادة المنظمة ضد احرار شعبنا العراقي.
وفي الوقت الذي تتناقل وكالات الانباء وما تسجله تقارير لجان حقوق الانسان عن فداحة وجرم الممارسات التي تقوم بها ادارات السجون في الحكومة العراقية القائمة ومنذ الاحتلال الامريكي للعراق، نرى ان هناك الكثير من التقصير والتهاون في تجنيد كل الامكانيات لفضح جرائم التعذيب والمحاكمات الجائرة وتنفيذ الأحكام الرعناء المستندة الى محاضر من الاعترافات المزورة او المنتزعة من الضحايا بوسائل التعذيب وتعززها تقارير المخبرين السريين لعيون السلطة المالكية وكياناتها السياسية المتحالفة معها.
لا بد من وقف الاهانة لكرامة السجناء والاسرى والمقاومين العرب والعراقيين والوقوف بحزم ضد وسائل ووسائط واساليب ابتزازهم في شرف عوائلهم ونسائهم وكرامتهم الانسانية والمجتمعية.
لا بد من ادانة الصمت المريب والتساؤل الصريح امام العالم:  لماذا يجري كل هذا التكتم ومن كل الاطراف المتشاركة في العملية السياسية الكسيحة الجارية في العراق ومن يناصرهم داخل وخارج العراق.
ولماذا السكوت عن اخطر الممارسات الاجرامية لحكومة المالكي وقضائه المسيس ولجانه التحقيقية المسيرة من قبل عصابات المليشيات الاجرامية التي اخترقت وزارات العدل والقضاء والإعلام والداخلية لتشكل وحدة قاتلة  وفتاكة من وحدات الجريمة المنظمة المكلفة بتصفية احرار العراق وقادة مقاومته الوطنية الرافضة للاحتلال ولحكم العملاء. 
لجان التحقيق في العراق والعصابات المنظمة التي اخترقت جسد السلطة بات  ديدنها الحصول على الاعترافات والإفشاءات وتقديم شهود الزور، وتنظيم مسرحيات المحاكمات الشكلية واعمال التفجيرات وتوزيعها ضمن خرائط طائفية مبيتة لاشعال الفتن والصراعات .
مهمة حكومة المالكي باتت أكثر وضوحا بعد خدمة الاحتلال وتنفيذ بنود الاتفاقيات الامنية صارت تسعى، وفي سباق مع الزمن لإسقاط الأبرياء وارتهان القادة المقاومين كأسرى ورهائن للابتزاز وتصعيد تنفيذ احكام الاعدام وتوسيع قوائم الاغتيالات والخطف والقتل على الهوية.
وصل الامر الى تنظيم الاعتقالات بحق حلفاء الامس من شركاء العملية السياسية نفسها واتهامهم بالارهاب وابتزازهم بكشف المستور من سجلات الاجرام والخيانة والسرقة والاستيلاء على الاموال العامة.
هكذا ينمو الغول القابع في الكرادتين والذي تباكى يوما على المظلوميات الطائفية ليصير بنفسه كابوسا جاثما على صدر شعب العراق يُجرم الآخرين من دون خجل من دون الالتفات الى سجله الارهابي والإجرامي.
هذا الكابوس اللا إنساني وممارسات التعذيب القائمة في كل سجون العراق وتنظيم المحاكمات القمعية من قبل حكومة تدعي انها تمثل " دولة القانون"  في العراق تفضحها تقارير الامم المتحدة وبعثات المنظمات الانسانية ومنظمة العفو الدولية، وتقابلها الإضرابات البطولية في عديد المحافظات العراقية وتلح عليها المطالبات الحقوقية وتعكسها الإرادة الوطنية العراقية التي سوف لا تحيد عن مطلبها الوطني لانتزاع الحقوق كاملة، ووقف المظالم والعمل على تصليب الارادات الوطنية التي سوف لاتلين أمام قانون الصمت الاستعماري والإحتلالي والطائفي والإثني المتطرف في العراق.
وكما سقط دعاة الجزائر فرنسية بالأمس، وتسودت صفحات مذكراتهم بالخزي والعار؛ فان دعاة إسرائيل دولة يهودية على تراب فلسطين، ودعاة  العراق  باقاليم ودول شيعية او سنية ، ستقام هنا وهناك،  هم على طريق  السقوط ، ويبدأ هذا السقوط لحظة استكمال تدوين فضائحهم الاخلاقية والسياسية، وهي لا تقل عن السقوط  للاحتلال الامريكي ومصير حلفائه في كل مكان.
وسيسقط معهم العملاء وقادة المليشيات والحكومات التي تتغنى بالمظلوميات التاريخية والطائفية وستنتهي الى صفحات العار تلك القوى التي تتبجح باسم الممارسة الديمقراطية وحكم الائتلافات السياسوية الطائفية والتبجح بالاغلبيات البرلمانية المشبوهة وهي كلها حالات شاذة من تاريخ العراق الوطني طالما ظلت تحتجز في سجونها آلاف الابطال من الاسرى والسجناء والمنتفضين ضد الاحتلال وعمليته السياسية المشبوهة التي باتت جرائمها تزكم الانوف ولا بد من فضحها وفضح قانون الصمت المريب من حولها.
وان غدا لناظره قريب..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق