إيمان
احمد خمّاس
ملخص ورقة قدمتها الكاتبة في الندوة الفكرية التي اقامتها منظمة مناهضة الاعدام والتعذيب في برشلونة الخميس 17 تشرين الاول 2013
في
اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الاعدام الذي صادف 10 اكتوبر من كل عام، اعلنت وزارة
العدل العراقية أنها اعدمت 42 شخصا بينهم امرأة بتهمة الارهاب، ليرتفع العدد خلال
هذه السنة وحتى هذا التاريخ الى 140. وبذلك يكون العراق ثالثا حسب تقرير منظمة
العفو الدولية عن عدد عقوبات الاعدام خلال العام الحالي، بعد الصين وايران.
ومع
ذلك فإن السؤال المحيّر هنا هو لماذا اختارت الحكومة العراقية اليوم الذي تحاول
فيه المنظمات الدولية وقوى الخير في العالم اشاعة ثقافة السلام ونبذ القتل بكل
اشكاله ، للاعلان عن اعدام هؤلاء الاشخاص من قبلها؟ أهو جهل؟ ام غباء؟ ام تحدّ
سافر للارادة الانسانية الساعية ابدا الى التراحم والعفو ونبذ سفك الدماء؟
باجتهادي
المتواضع انها لامبالاة مطلقة بكل هذه القيّم، وبحياة الانسان العراقي جملة
وتفصيلا ، العراقي الذي انتهكت كل حقوقه واولها حق الحياة، سواء بغياب الامن بسبب العنف
الطائفي او الميليشياوي او الحكومي او الفردي ، او تحت التعذيب والموت في السجون ، او حملات القتل الجماعي
او الفردي التي تقوم بها القوات الحكومية كما حدث في الحويجة والزركة وديالى
والموصل وغيرها كثير او بسبب غياب الخدمات الصحية والبيئة الملوثة بآثار الحروب التي
تتسبب في تغيرات جينية... الحقيقة ان العراقيين يتعرضون الى ابادة فعلية صامتة منذ
اكثر من عقدين (لاتنسوا الحصار)، تفرمهم ماكنة القتل المنظم بلا هوادة.
والاعدامات
متزايدة حسب مصادر وزارة الداخلية الاعدامات الرسمية المعلنة. هذه السنة 140وفي
السنة الماضية كانت 129 والتي قبلها 86 والحبل على الجرار. ولو ان هذه الاعدامات
جاءت بنتيجة ما في خفض العنف لهانت المصيبة، ولكن الاعدامات نفسها تسهم في زيادة
العنف لانها اعدامات غير قائمة على اجراءات قضائية تقترب ولو قليلا من الاجراءات
المتعارف عليها دوليا، بل أن بعضها جائر.
ففي مجلس العزاء في الاعظمية ببغداد لاحد الشباب المعدومين كانت اسرته ترفع
امام كاميرات الاعلام امرا قضائيا بالافراج عن أبنهم ا لبراءته من التهمة المنسوبة
اليه، ومع ذلك تم اعدامه. وفي قصة اخرى من
ديالى تحدث شقيق المعدوم قائلا ان اخاه اقتادته الشرطة وبعد 13 ساعة تم الاتصال
بأسرته لاستلام جثته من المشرحة وهذا يعني ان توجيه التهمة والمحاكمة واصدار الحكم
وتنفيذه قد تم خلال هذه الساعات وكانت بالمناسبة ليلا. الحقيقة ان ايا من هذه
الاجراءات كما هو واضح لم تتم بل ان الضحية عذب حتى الموت من اجل انتزاع اعتراف ما،
وكانت آثار التعذيب بادية على جسمه بوضوح امام الكاميرات.
وفي
تقريرها عن الاعدامات في العراق قالت نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الانسان في
الامم المتحدة "ان النظام القضائي في العراق لا يعمل بشكل مناسب ابدا".
وركزت بيلاي على "ان العديد من المعدومين يعترفون تحت التعذيب ، وان ظروف
الاعتقال سيئة للغاية وان النظام القضائي برمته ضعيف وان الاجراءات القضائية دون
المعايير الدولية بكثير". ومن جانبها شجبت حسيبة حاج صحراوي مسؤولة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في
منظمة العفو الدولية بشدة الاعدامات المتزايدة وقالت انها ظاهرة مثيرة للقلق
البالغ خاصة ان السلطات العراقية تتحدى الارادة الدولية وتتجاهل الدعوات المتكررة
لوقف الاعدامات وكذلك اكدت على الاعترافات تحت التعذيب ومثلها شجبت منظمة الامم
المتحدة في العراق "يونامي" الاعدامات وطالبت بوقفها مؤقتا في الاقل حتى
يستقر الوضع فضلا على المرصد الدولي لحقوق الانسان ومركز جنيف للعدالة وغيرهم.
والحق
ان المئات من التقارير الصحفية تتحدث بالتفصيل عما يجري في المعتقلات العراقية من
تعذيب يتجاوز قدرة اللغة على الوصف، كما أن افلام الفديو على اليوتيوب حافلة بما
لا يسمح الضمير البشري بمشاهدته من ضرب مبرح واهانات وقلع اظافر وحرق وتهشيم عظام
وما اليها من اساليب. وفي احدى جلسات دورة العام الحالي من اجتماعات مجلس حقوق
الانسان التابع للامم المتحدة في جنيف عرض
فلم يموت فيه المعتقل تحت التعذيب، ولكي يتأكد الضابط والشرطي المشرفان على
التعذيب من وفاة المعتقل يطلب الاول من الثاني ان يبول عليه. وفي فلم وثائقي عرضته
قناة السومرية العراقية عن معاناة النساء في السجون ومراكز التوقيف قدمت نساء
شهادات عن ممارسات رجال الشرطة ومسؤولي السجون اثبتت ان الاغتصاب يمارس بشكل منظم
فضلا على عصابات تشغيل النساء في البغاء وابتزازهن من خلاله، بين العديد من
الافلام الاخرى.
لقد شاعت ثقافة التنكيل في العراق بشكل غير
مسبوق وخاصة لاسباب طائفية بما ادى الى تمزيق لحمة المجتمع وتكريس ردة ثقافية سوف
يحتاج العراقيون الى عقود لتغييرها. ويمكن تقسيم السنوات العشر الماضية من
الاحتلال في ما يتعلق بالاعدام والاعتقال الى ثلاثة. الحكم الامريكي المباشر حيث
تم اعتقال الناس لسببين: أنهم من منتسبي النظام السابق او من مناهضي الاحتلال و
كانوا يتهمون بالارهاب وهي تهمة باطلة في الحالتين وفق القانون الدولي الذي ينص
على انه ليس من حق القوة المحتلة تغيير النظام السياسي، وان من حق اي شعب محتل ان
يقاوم الاحتلال بكل الوسائل المتاحة. ويتباهى المدافعون عن الاحتلال ان الحاكم
الامريكي بريمر الغى عقوبة الاعدام بينما كانت جثث المعتلقين الذين يقضون تحت
التعذيب تختفي او يعثر على بعضها تحت الاسيجة وفي الاماكن المعزولة. ولعل سجون ابو
غريب والصقر والمطار في بغداد وبوكا في البصرة وبادوش في الموصل و سوسة في
السليمانية والبغدادي غرب العراق وكانت كل القواعد العسكرية معتقلات في الواقع ،
كلها تشهد بذلك.
اما
المرحلة الثانية فهي مرحلة الحكومات العراقية قبل الجلاء الرسمي لقوات الاحتلال في
نهاية 2011. عندما بدأنا نسمع باسماء سجون الطابق السابع في وزارة الداخلية وسجن
ساحة النسور والكاظمية ومطار المثنى والتسفيرات والجادرية وغيرها، وكانت القصص
التي تخرج من تلك السجون مروعة بينما اصبحت ظاهرة الاعتقال على الهوية والجثث التي
يعثرعليها في المزابل مشهدا يوميا. وكانت بذرة هذا الترويع قد زرعها بريمر الذي ادخل
الميليشيات الطائفية الى قوات الامن والجيش، ومارستها حكومة الجعفري مثلا بوحشية
انتقامية مريضة.
و ما
يحدث الان في ظل حكومة المالكي هو استمرار طبيعي لما قبله غير أن الحالة السريالية
في استخدام القانون من اجل انتهاكه باتت شائعة ورسمية يعلنها دون تردد المسؤولون
بدءا بالمالكي نفسه ومرورا بكل اعضاء الحكومة والبرلمان. ولقد تحدث الكثيرون عن
كون المادة 4 المعنية بمحاربة الارهاب أصبحت سيفا مسلطا على رقاب الناس – حسب
تعبير رئيس البرلمان (تصوروا !) - وتستخدم للتنكيل المفرط بهم ليس فقط لانهم متهمون
بالارهاب وليس لأنهم يعارضون الحكومة سياسيا ويهددون كراسيها باي شكل من الاشكال بل
لمجرد انهم يطالبون بحقوقهم المشروعة كمواطنين، خاصة من الطوائف الاخرى.
رئيس
الحكومة نفسه اعلن غير مرة أنه يعرف من هم المفسدون و القتلة و المخربون ولكنه
لايريد ان يتكلم لكي لا يقوّض العملية السياسية !!! الحقيقة ان هذا الخطاب افلج و يدلّ
على الكثير من الاشياء التي قد لا يتسع المجال لتحليلها ، فقط نسأل: هل أن الحكومة
موجودة في الدولة من أجل خدمة الناس ام ان العكس هو الصحيح في نظر رئيس الحكومة
بحيث ان ذبح الناس وسرقة الاموال العامة وفشل المؤسسات يمكن ان يهون مادامت
العملية السياسية قائمة؟ وهل ان من حقه التستر على المجرمين لانه رئيس للحكومة؟ ومن
اعطاه الحقّ في ان يقرر ما يكون او لا يكون؟ وفي هذه الحالة كيف يتبين القاضي
(ناهيك عن المواطن ) متى يصدق رئيس الحكومة في اتهاماته ومتى يكذب ما دامت المسألة
انتقائية و كيفية؟
للاسف ان الثقافة السياسية للمسؤولين تجعلهم يعتقدون
ان الوظائف الحكومية امتياز وليست التزاما، ولذلك يفترضون أنهم مطلقو الصلاحيات
يفعلون ما بدا بهم ولا يعنيهم ان هذا المنطق قد عفا عليه الزمن ولم يعد هناك وجود
للاباطرة الذين يتخيلون انهم يتحكمون برقاب الناس. وان الحكومات موظفة عند الدولة
وجودها رهين بانجازها، فأن نجحت كان بها وان لم تنجح تستبدل بغيرها، وانها ببساطة
ليست فوق القانون يا دولة القانون. كما أن الاعتراف بمعرفتك بوجود جرائم عامة
وتسترك عليها وحده كاف لان تسحب السلطة القضائية ثقتها منك، فضلا على مقاضاتك وفق
المادة 4 نفسها التي تنص على ان المتستر
على الارهاب شريك فيه. ولكن اذا كانت السلطة القضائية حسب اعتراف رئيسها (اعلاه)
تسكت هي الاخرى على معرفتها بانتهاك القانون والاستخدام التعسفي له وتسكت على ذلك،
ماذا يمكن ان يقال سوى حسبنا الله ونعم الوكيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق